الكوفيين، وسيأتي جميعُ ذلك في قولِه تعالى:{وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ}[العنكبوت: ٤٦] أي: وبالذي أُنْزل. وعلى قراءةِ جمع التكسير فيكون منصوباً عطفاً على القردة والخنازير أي: جَعَلَ منهم القردةَ وعِباد وعُبَّاد وعبيد، وعلى قراءةِ الإِفراد كذلك أيضاً، ويجوز النصبُ فيها أيضاً من وجهٍ آخرَ وهو العطفُ على» مَنْ «في {مَن لَّعَنَهُ الله} إذا قلنا بأنه منصوبٌ على ما تقدَّم تحريرُه قبلُ، وهو مرادٌ به الجنس، وفي بعضِها قُرئ برفعه نحو:» وعابدُ الطاغوت، وتقدَّم أن أبا عمرو يُقَدِّر له مبتدأ أي: هم عابد، وتقدَّم ما في ذلك، وعندي أنه يجوزُ ان يرتفعَ على أنه معطوفٌ على «مَنْ» في قولِه تعالى {مَن لَّعَنَهُ الله} ويَدُلُّ لذلك أنهم أجازوا في قراءِة عبدِ الله: «وعابدُو» بالواوِ هذين الوجهين فهذا مثله.
وأما قراءة جمع السلامة فَمَنْ قرأ بالياء فهو منصوبٌ عطفاً على القردةِ، ويجوزُ فيه وجهان آخران، أحدُهما: أنه منصوبٌ عطفاً على «مَنْ» في {مَن لَّعَنَهُ الله} إذا قلنا إنَّ محلَّها نصبٌ كما مَرَّ. والثاني: أنه مجرورٌ عطفاً على {مَن لَّعَنَهُ الله} أيضاً إذا قُلنا بأنَّها في محلِّ جر بدلاً من «بشرِّ» كما تقدمَّ إيضاحُه. وهذه أوجهٌ واضحةٌ عَسِرة الاستنباطِ واللهُ أعلمُ. ومَنْ قَرأ بالواو فرفعُه: إمَّا على إضمارِ مبتدأ أي: هم عابدُو الطاغوت، وإمَّا نسقٌ على «مَنْ» في قولِه تعالى: {مَن لَّعَنَهُ الله} كما تقدَّم.
قوله تعالى:{أولئك شَرٌّ} مبتدأ وخبر، و «مكاناً» نصب على التمييز، نَسَب الشَّر للمكان وهو لأهلِه، كنايةً عن نهايتهِم في ذلك، و «شرّ» هنا على بابه من التفضيل، والمفضَّل عليه فيه احتمالان، أحدهما: أنهم المؤمنون، فيقال: كيف يُقال ذلك والمؤمنون لا شَرَّ عندهم البتة؟ فَأُجيب بجوابين، أحدُهما: - ما ذكره النحاس - وهو أنَّ مكانَهم في الآخرة شَرٌّ مِنْ مكانِ