بالجار. وقوله:{مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} تنويعٌ في التفصيل، فأَخْبر في الجملة الأولى بالجار والمجرور، ووصفَ المبتدأ بالاقتصاد، ووصفَ المبتدأ في الجملة الثانية ب «منهم» ، وأخبر عنه بجملة قوله:{سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} وذلك لأنَّ الطائفةَ الأولى ممدوحةٌ فُوصفوا بالاقتصاد، وأخبر عنهم بأنهم من جملة أهل الكتاب فإنَّ الوصفَ ألزمُ من الخبر، فإنهم إذا أسلموا زال عنهم هذا الاسم، وأما الطائفة الثانية فإنهم وصفوا بكونهم من أهل الكتاب فإنَّ الوصفَ ألزمُ وهم كفار فهم منهم، وأخبر عنهم بالجملة الذَّمِّيَّة فإن الخبرَ ليس بلازم، وقد يُسْلِم منهم ناس فيزول عنهم الإِخبار بذلك.
و «ساءَ» هذه يجوزُ فيها ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكونَ تعجباً كأنه قيل: ما أسوأ عملَهم، ولم يذكر الزمخشري غيرَ هذا الوجه، ولكن النحاة لَمَّا ذكروا صيغَ التعجب لم يَعُدُّوا فيها «ساء» ، فإن أراد من جهةِ المعنى لا من [جهة] التعجب المبوبِ له في النحو فقريب. الثاني: أنها بمعنى «بِئْس» فتدلُّ على الذَّمِّ كقوله تعالى: {سَآءَ مَثَلاً القوم} وعلى هذين القولين ف «ساءَ» غيرُ متصرفة، لأن التعجب والمدح والذم لا تتصرَّفُ أفعالُهما. الثالث: أن تكون «ساء» المتصرفة نحو: ساء يسوء، ومنه {لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ}[الإِسراء: ٧]{سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ}[الملك: ٢٧] ، والمتصرفةُ متعديةٌ، قال تعالى:{لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ} فأين مفعولُ هذه؟ قيل: هو محذوفٌ تقديره: ساء عملُهم المؤمنين، والتي بمعنى «بئس» لا بد لها من مميِّز، وهو هنا محذوفٌ تقديره: ساء عملاً الذي كانوا يعملونه. والحرب مؤنثةٌ، وهي في الأصل مصدر، وقد تقدَّم الكلامُ عليها في البقرة.