البيتَ مِمَّا تنازَعَ فيه ثلاثةُ عواملَ: سُئِلت وتَبْخَلْ وتُعْطِ، وذلك لأنه قوله:«ولم تَبْخَلْ» على قولِ هذا القائلِ متسلطٌ على «طائل» فكأنه قيل: فلم تبخل بطائل، وإذا لم يبخل به فقد بذله وأعطاه فيناقضه قوله بعد ذلك. و «لم تُعْطِ نائلاً» .
وقد أفسد ابن الخطيب الرازي الجوابَ المتقدم واختار جواباً مِنْ عنده فقال:«أجاب الجمهور ب» إنْ لم تبلِّغ واحداً منها كنت كمن لم يبلِّغْ شيئاً «وهذا ضعيفٌ، لأنَّ مَنْ ترك البعضَ وأتى بالبعض فإن قيل: إنه تَرَكَ الكلَّ كان كذباً، ولو قيل: إن مقدارَ الجُرْم في ترك البعض مثلُ الجرم في ترك الكل فهذا هو المُحالُ الممتنع، فسقط هذا الجوابُ، والأصحُّ عندي أن يقالَ: خَرَجَ هذا الجوابُ على قانون قوله:
١٧٦ - ٨- أنا أبو النجمِ وشِعْري شِعْري ... ومعناه: أنَّ شعري قد بَلَغَ في الكمال والفصاحة والمتانة إلى حيث متى قيل إنه شعري فقد انتهى مدحُه إلى الغاية التي لا يزاد عليها، وهذا الكلامُ يفيد المبالغةَ التامةَ من هذا الوجه، فكذا هنا كأنه قال: فإن لم تبلِّغْ رسالاتِه فما بلَّغْتَ رسالاته، يعني أنه لا يمكن أن يوصفَ تَرْكُ التبليغ بتهديدٍ أعظمَ من أنه تَرَكَ التبليغَ، فكان ذلك تنبيهاً على غايةِ التهديد والوعيد.
قال الشيخ:» وما ضَعَّفَ به جوابَ الجمهور لا يضعف به لأنه قال: «فإنْ قيل إنه تركَ الكل كان كذباً» ولم يقولوا ذلك، إنما قالوا إنَّ بعضها ليس أَوْلى بالأداء من بعضٍ، فإن لم تؤدِّ فكأنك أَغْفَلتَ أداءَها جميعَها، كما