إذ التقدير: الزموا أنفسَكم أي: هدايتَها وحِفْظَها مِمَّا يؤذيها، ف «عليكم» هنا يرفع فاعلاً تقديره: عليكم أنتم، ولذلك يجوز أن يُعْطَفَ عليه مرفوع نحو:«عليكم أنتم وزيدٌ الخيرَ» كأنك قلت: الزموا أنتم زيدٌ الخيرَ. واختلف النحاة في الضميرِ المتصلِ بها وبأخواتِها نحو: إليك ولديك ومكانك، فالصحيح أنه في موضعِ جر كما كان قبلَ تُنْقَلَ الكلمة إلا الإِغراء، وهذا مذهب سيبويه واستدل له الأخفش بما حكى عن العرب «على عبدِ الله» بجرِّ «عبد الله» وهو نص في المسألة. وذهب الكسائي إلى أنه منصوب المحل وفيه بُعْدٌ لنصب ما بعدهما، أعني «على» وما بعدها كهذه الآية. وذهب الفراء إلى انه مرفوعُه، وقد حَقَّقْتُ هذه المذاهبَ بدلائلها مبسوطة في «شرح التسهيل» . وقال أبو البقاء: - بعد أن جعل «كم» في موضع جر ب «على» بخلافِ رُوَيدَكم فإن الكاف هناك للخطاب ولا موضعَ لها، فإن «رويد» قد استُعْمَلِتْ للأمر المواجَهِ من غير كاف الخطاب، وكذا قولُه تعالى:{مَكَانَكُمْ}[يونس: ٢٨]«كم» في محل جر «. قلت: في هذه المسألة كلامٌ طويل، صحيحُه أنَّ» رويد «تارةً يكون ما بعدها مجرورَ المحلِّ وتارةً منصوبَه، وليس هذا موضعه، وقد قَدَّمْتُ في سورةِ النساءِ الخلافَ في جواز تقديم معمول هذا الباب عليه.
وقرأ نافع بن أبي نعيم:» أنفسُكم «رفعاً فيما حكاه عنه صاحب» الكشاف «وهي مُشْكَلِةٌ وتخريجُها على أحد وجهين: إما الابتداء، و» عليكم «خبره مقدم عليه، والمعنى على الإِغراء أيضاً، فإن الإِغراء قد جاء بالجملة الابتدائية، ومنه قراءةُ بعضِهم {ناقةُ الله وسُقْياها}[الشمس: ١٣] وهذا تحذيرٌ