وفي قوله:{ابن مَرْيَمَ} ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه صفةٌ كما تقدم، والثاني: أنه بدلٌ والثالث: أنه بيانٌ، وعلى الوجهين الأخيرين لا يجوزُ تقديرُ التفحةِ إتباعاً إجماعاً، لأنّ الابنَ لم يَقَعْ صفةً، وقد تقدم أنَّ ذلك شرطٌ.
قوله:{إِذْ أَيَّدتُّكَ} في «إذ» أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ ب «نعمتي» كأنه قيل: اذكرُ إذ أنعمتُ عليك وعلى أمِّك في وقت تأييدي لك. والثاني: أنه بدلٌ من «نعمتي» بدلُ اشتمال، وكأنه في المعنى تفسيرٌ للنعمة. والثالث: أنه حالٌ من «نعمتي» قاله أبوالبقاء والرابع: أن يكون مفعولاً به على السِّعَة قاله أبو البقاء أيضاً. قلت: هذا هو الوجهُ الثاني - أعني البدليةَ - وقرأ الجمهور «أيَّدتك» بتشديد الياء، وغيرهم «آيَدْتُك» وقد تقدَّم الكلام على ذلك وعلى مَنْ قرأ بها وما قاله الزمخشري وابن عطية والشيخ في سورة البقرة فليُنْظر ثَمَّ.
قوله:{تُكَلِّمُ الناس فِي المهد} إلى آخرها: تقدَّم ايضاً في آل عمران، وما فائدةُ قوله:{فِي المهد وَكَهْلاً} إلا أنَّ هنا بعضَ زياداتٍ لابدَّ من التعرض لها. قرأ ابن عباس:«فتنفخُها» بحذف حرف الجر اتساعاً. والجمهور:«فتكونُ» بالتاء منقوطةً فوق، وأبو جعفر منقوطةً تحتُ، أي: فيكونُ المنفوخ فيه. والضمير في «فيها» قال ابن عطية: «اضطربت فيه أقوال المفسرين» قال مكي: «هو في آل عمران عائدةٌ على الطائر، وفي المائدة عائدٌ على الهيئة» قال: «وَيصِحُّ عكس هذا» . وقال غير مكي:«الضمير المذكور عائد على الطين» . قال ابن عطية:«ولا يَصِحُّ عودُ هذا الضمير على الطير ولا على الطين ولا على الهيئة، لأنَّ الطير أو الطائر الذي يَجِيء الطين على هيئته لا يُنْفَخُ فيه البتةَ، وكذلك لا نفخَ في هيئته الخاصة به، وكذلك الطينُ إنما هو الطينُ العام ولا نفخَ في ذلك» . وقال الزمخشري:«ولا يَرْجِعُ الضميرُ إلى الهيئةِ المضافِ إليها لأنها ليست مِنْ خَلْقِه ولا مِنْ نفخِه في شيء، وكذلك الضميرُ في» فتكون «. ثم قال ابن عطية:»