تقديره: ما ليسَ يَثْبُتُ ليس بسببِ حق، فالباءُ متعلقةٌ بالفعلِ المحذوف لا بنفسِ الجارِّ، لأنَّ المعاني لا تعمل في المفعول به» .
قلت: وهذا ليس بجيدٍ لأنه قَدَّر متعلَّق الخبرِ كوناً مقيداً ثم حَذَفه وأبقى معموله. الوجه الثالث: أنَّ قوله «بحق» متعلقٌ بقوله: «عَلِمْتَه» ويكون الوقف على هذا على قوله «لي» والمعنى: فقد عَلِمْتَه بحق. وقد رُدَّ هذا بأن الأصل عدم التقديم والتأخير، وهذا لاينبغي أن يُكتفى به في ردِّ هذا، بل الذي منع من ذلك أنَّ معمولَ الشرطِ أو جوابِه لا يتقدَّم على أداة الشرط لا سيما المرويُّ عن الأئمة القُرَّاء الوقفُ على «بحق» ، ويَبْتدئون ب «إنْ كنت قلتُه» وهذا مَرِويٌّ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فوجَبَ اتِّباعه] والوجهُ الثاني في خبرِ «ليس» أنه «بحق» ، وعلى هذا ففي «لي» ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه «يتبين» كما في قولهم: «سُقْياً له» أي: فيتعلَّقُ بمحذوف، والثاني: أنه حال من «بحق» لأنه لو تأخَّر لكانَ صفةً له، قال أبو البقاء:«وهذا يُخَرَّج على قولِ مَنْ يجوِّزُ تقديمَ حالِ المجرور عليه» قلت: قد تقدم لك خلافُ الناسِ فيه وما أوردوه من الشواهِد، وفيه أيضاً تقديمُ الحال على عامِلها المعنوي: فإنَّ «بحق» هو العاملُ إذ «ليس» لا يجوز أن تعملَ في شيء، وإنْ قلنا: إنَّ «كان» أختها قد تعمل لأن «ليس» لا حدَثَ لها بالإِجماع. والثالث: أنه متعلِّقٌ بنفسِ «حق» لأنَّ الباءَ زائدةٌ، وحَقّ بمعنى مُسْتحق أي: ما ليس مستحِقَّاً لي.
قوله:{إِن كُنتُ} : «كنت» وإن كانت ماضية اللفظ فهي مستقبلة في المعنى، والتقدير: إن تَصِحَّ دعواي لِما ذُكر، وقَدَّره الفارسي بقوله:«إن أكن الآن قلتُه فيما مضى» لأنَّ الشرطَ والجزاء لايقعان إلا في المستقبل «وقولُه: {فَقَدْ عَلِمْتَهُ} أي: فقد تبيَّن وظهرَ عِلمُك به كقوله: {فَصَدَقَتْ}[يوسف: ٢٦]