قوله:{وَقْراً} عطفٌ على «أَكِنَّة» فينصبُ انتصابَه، أي: وجَعَلْنا في آذانهم وقراً. و «في آذانهم» كقوله «على قلوبهم» وقد تقدَّم أنَّ «جَعَل» يَحْتمل معانيَ ثلاثةً فيكونُ هذا الجار مبنيَّاً عليها مِنْ كونه مفعولاً ثانياً قُدِّمَ، أو متعلقاً بها نفسِها أو حالاً.
والجمهور على فتح الواو من «وَقْراً» وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها والفرق بين الوَقْر والوِقْر أنَّ المفتوح هو الثِّقل في الأذن، يُقال منه: وَقَرِتْ أذنه بفتح القاف وكَسْرِها، والمضارع تَقِر وتَوْقَر بحسب الفعلين ك تَعِد وتَوْجَل. وحكى أبو زيد: أذنٌ مَوْقورة، وهو جارٍ على القياس، ويكون فيه دليلٌ على أن وَقَر الثلاثي يكون متعدِّياً، وسُمِع «أذن مُوْقَرَة» والفعل على هذا أَوْقَرْتُ رباعياً كأكرم. والوِقْر - بالكسر - الحِمْل للحمار والبغل ونحوهما، كالوسَق للبعير، قال تعالى:{فالحاملات وِقْراً}[الذاريات: ٢] فعلى هذا قراءةُ الجمهور واضحة أي: وجَعَلْنا في آذانهم ثِقَلاً أي: صَمَماً. وأمَّا قراءةُ طلحة فكأنه جَعَلَ آذانهم وَقِرت من/ الصَّمَم كما تُوْقَرُ الدابة بالحِمْل، والحاصل أن المادَّة تدلُّ على الثِّقَل والرِّزانة، ومنه الوَقار للتُّؤَدة والسَّكينة، وقوله تعالى:{وفي آذَانِهِمْ وَقْراً} فيه الفصلُ بين حَرْفِ العطف وما عَطَفه بالجار مع كونِ العاطف على حرفٍ واحد وهي مسألة خلافٍ تقدَّم تحقيقُها في قوله: {أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨] والظاهر أن هذه الآيةَ ونظائرها مثلُ قوله: {آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً}[البقرة: ٢٠١] ليس مما فُصِل فيه بين العاطِف ومعطوفِه. وقد حقَّقْتُ جميع ذلك في الموضعِ المُشارِ إليه.
قوله:{حتى إِذَا جَآءُوكَ} قد تقدَّم الكلام في «حتى» الداخلة على «إذا»