وبنصبهما حمزةُ عن عاصم، وبرفع الأول ونصب الثاني ابن عامر وأبو بكر. ونقل الشيخ عن ابن عامر أنه نصبَ الفعلين، ثم قال بعد كلام طويل «قال ابن عطية: وقرأ ابن عامر/ في رواية هشام بن عمار عن أصحابه عن ابن عامر: {ولا نكذِّبُ} بالرفع، و» نكون «بالنصب» . فأما قراءة الرفع فيهما ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أن الرفع فيهما على العطف على الفعل قبلهما وهو «نُرَدُّ» ، ويكونون قد تمنَّوا ثلاثة اشياء: الردَّ إلى دار الدنيا، وعدمَ تكذيبهم بآيات ربهم، وكونَهم من المؤمنين. والثاني: أن الواو واو الحال، والمضارع خبر مبتدأ مضمر، والجملة الاسمية في محصل نصب على الحال من مرفوع «نُرَدُّ» ، والتقدير: يا ليتنا نُرَدُّ غيرَ مكذِّبين وكائنين من المؤمنين، فيكونُ تمنِّي الرد مقيَّداً بهاتين الحالَيْن، فيكونُ الفعلان أيضاً داخلَيْن في التمني.
وقد استشكل الناسُ هذين الوجهين: بأن التمني إنشاء، والإِنشاء لا يدخله الصدق ولا الكذب، وإنما يدخلان في الإِخبار، وهذا قد دخله الكذبُ لقوله تعالى:{وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وقد أجابوا عن ذلك بثلاثة أوجه أحدها - ذكره الزمشخري - قال:«هذا تمنِّ تضمَّنَ معنى العِدَة فجاز أن يدخلَه التكذيبُ كما يقول الرجل:» ليت اللَّهَ يرزقني مالاً فأُحْسِنَ إليك، وأكافئَك على صنيعك «فهذا مَتَمَنِّ في معنى الواعد، فلو رُزِق مالاً ولم يُحْسِنْ إلى صاحبه ولم يكافئه كذَّبَ، وصَحَّ أن يقال له كاذب، كأنه قال: إن رزقني الله مالاً أحسنت إليك.