بأنَّ شرط الإِعمال أن لا يكونَ أحدُ المتنازعين مفتقراً إلى الآخر، وأن يكونَ من تمام معناه، و «كان» مفتقرةٌ إلى خبرها وهو من تمام معناها. وهذا الذي ذكره من المنع وترجيحِه ظاهرٌ، إلا أن النَّحْويين لم يذكروه في شروط الإِعمال.
وقوله:{وَإِن كَانَ كَبُرَ} مؤولٌ بالاستقبال وهو التَبيُّن والظهور فهو كقوله:
{إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ}[يوسف: ٢٦] أي: إنْ تبيَّن وظَهَر، وإلاَّ فهذه الأفعالُ قد وقعتْ وانقضتْ فكيف تقع شرطاً؟ وقد تقدَّم أنَّ المبردَ يُبْقي «كان» خاصةً على مضيِِّها في المعنى مع أدوات الشرط، وليس بشيء. وأمَّا:«فإن استطعتَ» فهو مستقبلٌ معنى لأنه لم يقعْ بخلافِ كونه كَبُر عليه إعراضُهم وقَدِّ القميص «وأن تبتغي» مفعولُ الاستطاعة. «ونَفَقاً» مفعول الابتغاء.
والنَّفَقُ: السَّرَب النافذ في الأرض وأصله في جُحْرة اليربوع ومنه النافقاء والقاصِعاء، وذلك أن اليربوعَ يَحْفِر [في] الأرض سَرَباً ويجعل له بابين، وقيل: ثلاثة؛ النَّافِقاء والقاصعاء والدَّابِقاء، ثم يَرِقُّ بالحفر ما تقارب وجه الأرض، فإذا نابه أمرٌ دفع تلك القشرةَ الرقيقةَ وخرجَ، وقد تقدَّم لك استيفاء هذه المادة عند ذكر {يُنْفِقُونَ}[البقرة: ٣] و {المنافقين}[النساء: ٦١] .
وقوله {فِي الأرض} ظاهرُه أنه متعلقٌ بالفعل قبله، ويجوز أن يكون صفةً ل «نَفَقاً» فيتعلَّقَ بمحذوف، وهي صفة لمجرد التوكيد إذ النفق لا يكون إلا في الأرض. وجوَّز أبو البقاء مع هذين الوجهين أن يكونَ حالاً من فاعل «تَبْتغي» أي: وأنت في الأرض، قال:«وكذلك في السماء» يعني مِنْ جوازِ الأوجه الثلاثة، وهذا الوجهُ الثالث ينبغي أن لا يجوز لخُلُوِّه عن الفائدة.