ذلك وهو قوله:«إلا أنه لا يفعل لوجهٍ آخر من الحكمة أرجحَ منه» وهذا أصل فاسد من أصول المعتزلة يزعمون أن أفعاله تعالى تابعةٌ لمصالحَ وحِكمٍ يترجَّح مع بعضها الفعلُ ومع بعضها التركُ، ومع بعضها يجب الفعل أو الترك، تعالى الله عن ذلك بل أفعاله لا تُعَلَّلُ بغرضٍ من الأغراض، لا يُسأل عما يَفعل، وموضوع هذه المسألةِ غيرُ هذا الموضوع، ولكني نبَّهْتُك علهيا إجمالاً.
الرابع: أنَّ جواب الشرط محذوف تقديره: إن أتاكم عذابُ الله أو أَتَتْكم الساعةُ دَعَوْتم، ودَلَّ عليه قوله:{أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} الخامس: أن محذوف أيضاً، ولكنه مقدَّرٌ من جنس ما تقدَّم في المعنى، تقديرُه: إنْ أتاكم عذاب الله أو أَتَتْكم الساعة فأخبروني عنه أَتَدْعُون غير الله لكشفِه كما تقول: «أخبرني عن زيدٍ إن جاءك ما تصنعُ به» أي: إن جاءَك فأخبرني عنه، فحُذِفَ الجوابُ لدلالة «أخبرني» عليه، ونظيرُه: أنت ظالمُ إن فعلت، أي: فأنت ظالم، فحذف «فأنت ظالمٌ» لدلالةِ ما تقدَّم عليه. وهذا ما اختاره الشيخ. قال:«وهو جارٍ على قواعد العربية» وادَّعى أنه لم يَرَه لغيره.
قوله:{أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ}«غيرَ» مفعول مقدم ل «تَدْعون» وتقديمُه: إمَّا للاختصاص كما قال الزمشخري: «بَكَّتهم بقوله: أغير الله تَدْعُون، بمعنى، أَتَخُصُّون آلهتَكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرٌّ أم تدعون اللَّهَ دونها، وإمَّا للإِنكارِ عليهم في دعائهم للأصنام؛ لأن المُنْكَرَ إنما هو دعاءُ الأصنامِ لا نفسُ الدعاء، ألا ترى أنك إذا قلت» أزيداً تضربُ «إنما تُنْكِرُ كونَ» زيد «مَحَلاً للضرب ولا تُنْكر نفسَ الضرب، وهذا من قاعدةٍ بيانية قَدَّمْتُ التنبيهَ عليها عند قوله تعالى:{أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني}[المائدة: ١١٦] .