مَنْ مَنَع ذلك إلا في ضرورةٍ أو قليلٍ من الكلام، ولهذا عِيْبَ على مكي ابن أبي طالب حيث قال:«الحَذْفُ بعيدٌ في العربية قبيح مكروه، وإنما يجوز في الشعر للوزن، والقرآن لا يُحتمل ذلك فيه إذ لا ضرورة تدعو إليه» . وتجاسر بعضهم فقال:«هذه القراءة أعني تخفيف النون لحنٌ» وهذان القولان مردودان عليهما لتواتر ذلك، وقد قَدَّمْتُ الدليل على صحته لغةً، وأيضاً فإن الثقاتِ نقلوا أنها لغةٌ ثابتةٌ للعرب وهم غطفان فلا معنى لإِنكارها.
و «في الله» متعلِّقٌ ب «أتحاجُّوني» لا ب «حاجَّه» ، والمسألةُ من باب التنازع، وأعمل الثاني لأنه لما أضمر في الأول حذف، ولو أَعْمل الأول لأضْمر في الثاني من غير حذفٍ، ومثله:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة}[النساء: ١٧٦] ، كذا قال الشيخ، وفيه نظر، من حيث/ إن المعنى ليس على تَسَلُّط «وَحَاجَّهُ» على قوله «في الله» ؛ إذ الظاهر انقطاعُ الجملة القولية ممَّا قبلها. وقوله «في الله» أي في شأنه ووحدانيته.
قوله:«وَقَدْ هَدَاني» في محلِّ نصب على الحال، وفي صاحبها وجهان أظهرهما: أنه التاء في «أتحاجونني» أي: أتجادلونني فيه حال كوني مَهْدِيّاً مِنْ عنده.
والثاني: أنه حال من «الله» أي: أتخاصمونني فيه حال كونه هادياً لي، فحجَّتكم لا تُجْدي شيئاً لأنها داحضة.
قوله:{وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} هذه الجملة يجوز أن تكونَ مستأنفة، أخبر عليه السلام بأنه لا يخاف ما تشركون به ربَّه ثقةً به، وكانوا قد خوَّفوه مِنْ ضررٍ يحصُل له بسبب سَبِّ آلهتهم، ويحتمل أن تكون في مَحَلِّ نصبٍ على الحال باعتبارين أحدهما: أن تكونَ ثانيةً عطفاً على الأولى، فتكون الحالان