والمعنى: لا تعدلوا عنه إلى الكتبِ المنسوخةِ. وقرأ الجحدري:«ابتَغُوا» بالغين المعجمة من الابتغاء. ومالك بن دينار ومجاهد:«ولا تبتغوا» من الاتغاء أيضاً.
قوله:{قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} قد تقدَّم نظيرُ هذا في قوله تعالى: {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ}[البقرة: ٨٨] وهو أنَّ «قليلاً» نعتُ مصدرٍ محذوف أي: تذكُّراً قليلاً تَذَكَّرون، أو نعتُ ظرفِ زمانٍ محذوفٍ أيضاً أي: زماناً قليلاً تَذَكَّرون، فالمصدرُ أو الظرفُ منصوبٌ بالفعل بعده، و «ما» مزيدةٌ للتوكيد، وهذا إعراب جليٌّ واضح. وقد أجاز الحوفي أن يكونَ/ نعتَ مصدرٍ محذوف لقوله «ولا تَتَّبعوا» أي: ولا تتبعوا مِنْ دونِه أولياءَ اتِّباعاً قليلاً، وهو ضعيف، لأنه يَصير مفهومُه أنهم غيرُ مَنْهِيِّين عن اتباع الكثير، ولكنه معلومٌ من جهة المعنى فلا مفهوم له.
وحكى ابن عطية عن أبي عليّ أن «ما» مصدريةٌ موصولةٌ بالفعل بعدها، واقتصر على هذا القَدْر، ولا بد من تتمةٍ له، فقال بعض الناس:«ويكون» قليلاً «نعت زمانٍ محذوف، وذلك الزمانُ المحذوف في محل رفع خبراً مقدماً، و» ما «المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر مبتدأ مؤخراً، والتقدير: زمناً قليلاً تذكُّرُكم أي: أنهم لا يقع تذكُّرهم إلا في بعض الأحيان، ونظيرُه: زمناً قليلاً قيامُك» . وقد قيل: إن «ما» هذه نافيةٌ، وهو بعيد؛ لأن «ما» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عند البصريين، وعلى تقدير تسليم ذلك فيصير المعنى: ما تذكَّرون قليلاً، وليس بطائل، وهذا كما سيأتي في قوله تعالى:{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات: ١٧] عند مَنْ جَعَلَها نافيةً.