بالعَوْد من غير حذف المضافِ الذي هو الخَلْق فلمَّا حَذَفَه قام المضافُ إليه مَقَامَ الفاعِل فصار الفاعلون مخاطَبِين، كما أنه لَمَّا حَذَفَ المضافَ من قوله «كما بدأ خلقكم صار المخاطبون مفعولين في اللفظ» قلت: يعني أن الأصل كما بدأ خَلْقُكُمْ يعود خَلْقُكم فحذف الخَلْقَ في الموضعين، فصار المخاطبون في الأول مفعولِين بعد أن كانوا مجرورين بالإِضافة، وفي الثاني صاروا فاعلين بعد أن كانوا مجرورين بالإِضافة أيضاً.
و «بدأ» بالهمز أنشأ واخترع، ويُسْتعمل بهذا المعنى ثلاثياً ورباعياً على أَفْعل، فالثلاثيُّ كهذه الآيةِ، وقد جمع بين الاستعمالين في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ الله الخلق}[العنكبوت: ١٩] فهذا مِنْ أبدأ، ثم قال:{كَيْفَ بَدَأَ الخلق}[العنكبوت: ٢٠] هذا فيما يتعدَّى بنفسه. وأمَّا ما يتعدى بالباء نحو: بدأت بكذا بمعنى قَدَّمْته وجَعَلْته أولَ الأشياء يُقال منه: بدأت به وابتدأت به. وحكى الراغب أيضاً أنه يقال مِنْ هذا: أَبْدَأْت به على أَفْعَل وهو غريب، وقولهم «أَبْدَأْتُ من أرض كذا» أي ابتدأت منها بالخروج. والبَدْءُ: السيِّدُ، سُمِّيَ بذلك قيل: لأنه يُبْدأ به في العدِّ إذا عُدَّ السادات، وذكروا عليه قوله: