الفاعل، فإن كان الفاعلُ «النعاس» فنسبةُ الأمنة إليه مجازٌ، وإن كان الباريَ تعالى كما هو في القراءتين الأخيرتين فالنسبة حقيقةٌ، وإمَّا من المفعولِ على المبالغة أي: جَعْلهم نفسَ الأمنة، أو على حَذْفِ مضاف أي: ذوي أمنة.
الثالث: أنه مفعولٌ من أجله وذلك: إمَّا أن يكونَ على القراءتين الأخيرتين أو على الأولى، فعلى القراءتين الأخيرتين أمرُها واضحٌ، وذلك أن التغشيةَ أو الإِغشاءَ من الله تعالى، والأمنةُ منه أيضاً، فقد اتحد الفاعلُ فصحَّ النصب على المفعول له. وأمَّا على القراءة الأولى ففاعل «يغشى» النعاسُ، وفاعل «الأمنة» الباري تعالى. ومع اختلافِ الفاعلِ يمتنع النصبُ على المفعول له على المشهور وفيه خلافٌ، اللهم إلا أن يُتَجَوَّز بتجوز.
وقد أوضح ذلك الزمخشري فقال:«وأَمَنَةً» مفعولٌ له. فإن قلت: أما وجب أن يكون فاعلُ الفعلِ المُعَلَّلِ والعلةِ واحداً؟ قلت: بلى ولكن لمَّا كان معنى «يَغْشاكم النعاسُ» تَنْعَسون انتصب «أَمَنةً» على معنى: أنَّ النعاسَ والأَمَنَة لهم، والمعنى إذ تَنْعَسُون أمناً «. ثم قال:» فإن قلت: هل يجوزُ أن ينتصبَ على أن الأمنةَ للنعاس الذي هو يغشاكم أي: يَغْشاكم النعاسُ لأمنة، على أنَّ إسنادَ الأَمْن إلى النعاس إسنادٌ مجازي وهو لأصحابِ النُّعاس على الحقيقة، أو على أنه أتاكم في وقت كان مِنْ حق النعاس في ذلك الوقت المَخُوف أن لا يُقَدَّمَ على غشيانكم، وإنما غَشَّاكم أمنةً حاصلةً له من الله لولاها لم يَغْشكم على طريقة التمثيل والتخييل «. قلت: لا تبعد فصاحة القرآن عن مثله، وله فيه نظائرُ، وقد ألمَّ به من قال: