و» مِنْ «يجوزُ أن تكونَ لابتداءِ الغايةِ وأن تكونَ للتبعيضِ، ويجوزُ أن يكونَ مفعولُ الأكلِ محذوفاً، وكذلك مفعولُ الشُّرْب، للدلالة عليهما، والتقدير: كُلوا المَنَّ والسَّلْوى، لتقدُّمِهما في قوله:{وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى}[البقرة: ٥٧] واشرَبوا ماءَ العيُونِ المتفجرةِ، وعلى هذا فالجارُّ والمجرورُ يُحْتمل تعلُّقُه بالفعلِ قبله، ويُحْتمل أن يكونَ حالاً من ذلك المفعولِ [المحذوفِ] ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ. وقيل: المرادُ بالرزق الماءُ وحدَه، ونَسَب الأكلَ إليه لمَّا كانَ سبباً في نَماء ما يُؤكل وحياتِهِ فهو رزقٌ يُؤْكل منه ويُشْرَبُ، والمرادُ بالرزقِ المَرْزُوقُ، وهو يَحْتَمل أن يكونَ من باب ذِبْح ورِعْي، وأن يكونَ من باب» درهمٌ ضَرْبُ الأميرِ «، وقد تقدَّم بيانُ ذلك.
قوله:{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} أصلُ» تَعْثَوا «: تَعْثَيُوا، فاستُثْقِلت الضمةُ على الياءِ فحُذِفَت فالتقى ساكنانِ فحُذِفَ الأولُ منهما وهو الياءُ، أو لَمَّا تحرَّكتِ الياءُ وانفتح ما قبلَها فُلِبَت ألفاً، فالتقى ساكنان فحُذِفَتِ الألفُ وبقيتِ الفتحةُ تَدُلُّ عليها وهذا أَوْلى، فوزنُه تَفْعُون.
والعِثِيُّ والعَيْثُ: أشدُّ الفسادِ وهما متقاربان. وقال بعضُهم: «إلاَّ أنَّ العَيْثَ أكثرُ ما يُقال فيما يُدْرَك حِسَّاً، والعِثِيُّ فيما يُدْرَكُ حُكْماً، يقال: عَثَى يَعْثَى عِثِيَّاً وهي لغةُ القرآنِ، وعثا يَعْثُوا عُثُوّاً وعاثَ يعيثُ عِثِيّاً، وليس عاثَ مقلوباً من عثى