الفحلُ فلم تَحْمل لجُدُوبة السَّنة. وفي الحديث أيضاً:
«أصبحنا بأرضٍ عَزيبةٍ صحراءَ» ، أي: بعيدةِ المرعى. ويقال للمال الغائب: عازِب، وللحاضرِ عاهِن. والمعنى في الآية: وما يَبْعُد أو ما يخفى أو ما يَغيب عن ربك.
و «مِنْ مِثْقال» فاعل، و «مِنْ» مزيدةٌ فيه، أي: ما يبعد عنه مثقالُ. والمثْقال هنا: اسمٌ لا صفةٌ، والمعنيُّ به الوزنُ، أي: وزن ذرة.
قوله:{وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ} قرأ حمزة برفع راء «أَصْغر» و «أكبر» ، والباقون بفتحها. فأما الفتحُ ففيه وجهان، أحدهما: وعليه أكثر المُعْربين أنه جَرٌّ، وإنما كان بالفتحةِ لأنه لا يَنْصَرف للوزن والوصف، والجرُّ لأجلِ عطفِه على المجرور وهو: إمَّا «مثقال» ، وإمَّا «ذرة» . وأمَّا الوجهُ الثاني فهو أنَّ «لا» نافيةٌ للجنس، و «أصغر» و «أكبر» اسمُها، فهما مَبْنيان على الفتح. وأمَّا الرفعُ فمن وجهين أيضاً، أشهرهُما عند المُعْربين: العطفُ على محل «مثقال» إذ هو مرفوعٌ بالفاعلية و «مِنْ» مزيدة فيه كقولك: «ما قام مِنْ رجل ولا امرأة» بجرِّ «امرأة» ورَفِعْها. والثاني: أنه مبتدأ، قال الزمخشري:«والوجهُ النصبُ على نفي الجنس، والرفع على الابتداء ليكون كلاماً برأسِه، وفي العطفِ على محل» مثقال ذرة «، أو على لفظ» مثقال ذرة «فتحاً في موضع الجرِّ لامتناع الصرف إشكالٌ؛ لأنَّ قولَك:» لا يَعْزُب عنه شيءٌ إلا في كتاب مشكل «انتهى. وهذان الوجهان اختيار الزجاج، وإنما كان هذا مُشْكلاً عنده لأنه يصير التقدير: إلا في كتاب مبين فيعزبُ، وهو كلامٌ لا يصحُّ. وقد يزول هذا الإِشكالُ بما ذكره أبو البقاء: وهو أن يكون {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} استثناءٌ منقطعاً، قال:{إِلاَّ فِي كِتَابٍ} ، أي: إلا هو في كتاب، والاستثناءُ منقطع» .