السحر «أَرْتَبُ لأنه قد تقدَّم منكَّراً في قولهم:» إنَّ هذا لسِحْر «، فجاء هنا بلام العهد، كما يقال أول الرسالة» سلامٌ عليك «. قال الشيخ:» وما ذكراه هنا في «السحر» ليس مِنْ تقدُّم النكرة، ثم أخبر عنها بعد ذلك، لأنَّ شَرْطَ هذا أن يكون المعرَّفُ بأل هو المنكَّرَ المتقدَّمَ، ولا يكون غيره، كقوله تعالى:{كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فعصى فِرْعَوْنُ الرسول}[المزمل: ١٥-١٦] ، وتقول:«زارني رجلٌ فأكرمت الرجل» لَمَّا كان إياه جاز أن يُؤْتى بضميره بَدَلَه، فتقول: فأكرمتُه، والسحرُ هنا ليس هو السحرَ الذي في قولهم:«إنَّ هذا لسحر» لأن الذي أخبروا عنه بأنه سحرٌ هو ما ظهر على يَدَي موسى من معجزة العصا والسحر الذي في قولِ موسى، إنما هو سحرهم الذي جاؤوا به، فقد اختلف المدلولان، إذ قالوا هم عن معجزة موسى، وقال موسى عَمَّا جاؤوا به، ولذلك لا يجوز أن يُؤْتى هنا بالضمير بدلَ السحر، فيكونَ عائداً على قولهم:«لسِحْر» .
قلت: والجوابُ أن الفراء وابن عطية إنما أراد السحر المتقدمَ الذِّكر في اللفظ، وإن كان الثاني هو غيرَ عينِ الأول في المعنى، ولكن لمَّا أُطْلِق عليهما لفظ «السحر» جاز أن يُقال ذلك، ويدلُّ على هذا أنهم قالوا في قوله تعالى:{والسلام عَلَيَّ}[مريم: ٣٣] : إن الألفَ واللام للعهد لتقدُّم ذكر السلام في قوله تعالى: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ}[مريم: ١٥] ، وإن كان السلامُ الواقعُ على عيسى هو غيرَ السلام الواقع على يحيى، لاختصاص كلِّ سلام بصاحبه من حيث اختصاصُه به، وهذا النقل المذكورُ عن الفراء في الألف واللام ينافي ما نَقَله عنه مكيٌّ فيهما،