وأمَّا قراءةُ أبي عمرو والكسائي فواضحةٌ جداً، فإنها «إنَّ» المشددة عَمِلَتْ عملها، واللام الأولى لام الابتداء الداخلة على خبر «إنَّ» ، والثانية جواب قسم محذوف، أي: وإنَّ كلاً للذين واللَّهِ ليوفِّينَّهم، وقد تقدَّم وقوعُ «ما» على العقلاء مقرَّراً، ونظيرُ هذه الآيةِ قولُه تعالى:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}[النساء: ٧٢] غير أنَّ اللامَ في «لمَنْ» داخلة على الاسم، وفي «لمَّا» داخلة على الخبر. وقال بعضهم:«ما» هذه زائدة زِيْدت للفصل بين اللامَيْن: لامِ التوكيد ولامِ القسم. وقيل: اللام في «لَمَا» موطئةٌ للقسم مثلَ اللامِ في قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٥] ، والمعنى: وإنَّ جميعهم واللَّه ليوفِّينَّهم ربُّك أعمالَهم مِنْ حُسْنٍ وقُبْحٍ وإيمانٍ وجُحود.
وقال الفراء عند ذكره هذه القراءة:«جَعَل» ما «اسماً للناس كما جاز {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء}[النساء: ٣] ، ثم جَعَلَ اللامَ التي فيها جواباً لإِنَّ، وجعل اللامَ التي في» ليوفِّيَنَّهم «لاماً دَخَلَتْ على نيةِ يمينٍ فيما بين» ما «وصلتِها كما تقول:» هذا مَنْ لَيَذْهَبَنَّ «، و» عندي ما لَغَيْرُه خيرٌ منه «ومثلُه: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}[النساء: ٧٢] . ثم قال بعد ذلك ما يدلُّ على أن اللامَ مكررةٌ فقال:» إذا عَجَّلَت العربُ باللام في غيرِ موضعِها أعادُوها إليه نحو: إنَّ زيداً لإِليك لمُحْسن، ومثله: