وهذا كما اَعْرب سيبويهِ «كم» مِنْ «كم مالُك» و «خيرٌ» مِنْ «اقصِدْ رجلاً خيرٌ منه أبوه» مبتدأين لمسوِّغِ الابتداء بهما، وخبرُهما معرفةً. قاله الشيخ وللنزاعِ فيه مجالٌ.
على أنَّ هناك عِلَّةً لا تَتَأتَّى ههنا: وهي أن الذي حَمَلَ سيبويهِ على ذلك في المسألتين أنَّ أكثرَ ما يقع موقعَ «كم» و «خير» ما هو مبتدأ، فلذلك حَكَمَ عليهما بحكمِ الغالبِ بخلافِ ما نحن فيه.
الثالث: أنَّ «عجبٌ» مبتدأٌ بمعنى مُعْجِب، و «قولُهم» فاعلٌ به، قاله أبو البقاء، ورَدَّ عليه الشيخُ: بانهم نَصُّوا على أن «فَعَلاً» و «فُعْلَة» و «فِعْلاً» يَنُوب عن مفعولٍ في المعنى ولا يعمل عملَه، فلا تقول: مررتُ برجلٍ ذِبْحٍ كبشُه، ولا غُرْفةٍ ماؤه، ولا قَبَضٍ مالُه «. قلت: وأيضاً فإن الصفاتِ لا تعملُ إلاَّ إذا اعتمَدَتْ على أشياءَ مخصوصةٍ، وليس منها هنا شيءٌ.
قوله:{أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يجوز في هذه الجملةِ الاستفهاميةِ وجهان، أحدُهما: -وهو الظاهر- أنها منصوبةُ المحلِّ لحكايتها بالقولِ. والثاني: أنها وما في حَيِّزها في محلِّ رفعٍ بدلاً مِنْ قولُهم» ، وبه بدأ الزمخشري، ويكون بدلَ كلٍ مِنْ كل، لأنّ هذا هو نفسُ قولِهم. و «إذا» هنا ظرفٌ محضٌ، وليس فيها معنى الشرطِ، والعاملُ فيها مقدرٌ يُفَسِّره {لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} تقديرُه: أإذا كنا تراباً نُبْعَثُ أو نُحْشَر، ولا يَعْمل فيها {خَلْقٍ