يُغَلَّبُ على غيرِه، فيُعبَّر عن الجميع ب «مَنْ» ولو جِيْء ب «ما» أيضاً لجازَ، وإنْ أريد به الأصنامُ ففي إيقاعِ «مَنْ» عليهم أوجهٌ، أحدُها: إجراؤهم لها مُجْرى أُولي العلمِ في عبادتهم إياها واعتقادِ أنها تَضُرُّ وتنفع كقوله:
٢٩٦ - ٩- بَكَيْتُ إلى سِرْبِ القَطا إذْ مَرَرْنَ بي ... فقلتُ ومِثْلي بالبكاءِ جديرُ
أسِرْبَ القَطا هل مَنْ يُعيرُ جناحَه ... لعلِّي إلى مَن قد هَوَيْتُ أطيرُ
فأوقعَ على السِّرْب «مَنْ» لمَّا عاملها معاملةَ العقلاءِ. الثاني: المشاكلةُ بينه وبين مَنْ يَخْلُق. الثالث: تخصيصُه بمَنْ يَعْلَم، والمعنى: أنه إذا حَصَلَ التبايُنُ بين مَنْ يَخْلُقُ وبين مَنْ لا يَخْلُق مِنْ أولي العلم، وأنَّ غيرَ الخالقِ لا يَسْتحق العبادةَ البتة، فكيف تستقيم عبادةُ الجمادِ المنحطِّ رتبةً، الساقطِ منزلةً عن المخلوقِ من أولي العلم كقوله:{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ}[الأعراف: ١٩٥] إلى آخره؟ وأمَّا مَنْ يُجيز إيقاعَ «مَنْ» على غيرِ العقلاء مِنْ شرطٍ كقطرب فلا يحتاج إلى تأويلٍ.
قال الزمخشريُّ: «فإن قلتَ: هو إلزامٌ للذين عَبَدوا الأوثانَ ونحوَها، تشبيهاً بالله تعالى، وقد جعلوا غيرَ الخالقِ مثلَ الخالق، فكان حَقُّ الإِلزامِ أن يُقال لهم: أَفَمَنْ لا يَخْلُق كَمَنْ يَخْلق؟ قلت: حين جعلوا غيرَ الله مِثْلَ اللهِ لتسميتِهم باسمِه، والعبادةِ له، جعلوا من جنس المخلوقات وشبيهاً