الذين مَكَرُواْ} . وأمَّا قولُه:{أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير}[النحل: ٧٩] فقرأه حمزةُ أيضاً بالخطاب، ووافقه ابنُ عامر فيه، فحصل من مجموعِ الآيتين أنَّ حمزةَ بالخطاب فيهما، والكسائيَّ بالخطابِ في الأول والغَيْبة في الثاني، وابنَ عامر بالعكس، والباقون بالغيبة فيهما.
فأمَّا توجيهُ الأولى فقد تقدَّم، وأمَّا الخطابُ في الثانية فَجَرْياً على قوله {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}[النحل: ٧٨] . وأمَّا الغيبةُ فَجَرْياً على قوله {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله}[النحل: ٧٣] . وأمَّا تفرقَةُ الكسائيِّ وابنِ عامرٍ بين الموضعين فجمعاً بين الاعتبارين وأنَّ كلاً منهما صحيحٌ.
قوله:{مِن شَيْءٍ} هذا بيانٌ لِما في قوله: {مَا خَلَقَ الله} فإنها موصولةٌ بمعنى الذي. فإن قلتَ: كيف يُبَيِّنُ الموصولُ -وهو مبهمٌ- ب «شيء» وهو مبهمٌ، بل أَبْهَمُ ممَّا قبله؟ فالجواب أنَّ شيئاً قد اتضح وظهر بوصفِه بالجملة بعدَه، وهي {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} .
قال الزمخشري:«وما موصولة ب {خَلَقَ الله} وهو مبهمٌ، بيانُه {مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} . وقال ابن عطية:» وقولُه {مِن شَيْءٍ} لفظٌ عامٌّ في كل ما اقتضَتْه الصفةُ مِنْ قوله {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} فظاهر هاتين العبارتين أنَّ جملةَ {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} صفة لشيء، وأمَّا غيرُهما فإنه قد صَرَّح بعدمِ كونِ الجملةِ صفةً فإنه قال: «والمعنى: من شيءٍ له ظِلٌ من