تكلَّم السهيليُّ في ذلك فقال:«كُلٌّ» إذا ابْتُدِئَتْ، وكانتْ مضافةً لفظاً - يعني لمعرفةٍ - فلا يَحْسُنُ إلا إفرادُ الخبرِ حَمْلاً على المعنى. تقول: كلُّكم ذاهبٌ، أي: كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ، هكذا هذه المسألةُ في القرآنِ والحديثِ والكلامِ الفصيح. فإنْ قلت: في قولِه: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ}[مريم: ٩٥] إنما هو حَمْلٌ على اللفظ لأنه اسمٌ مفردٌ. قلنا: بل هو اسم للجمع، واسمُ الجمع لا يُخْبَرُ عنه بإفراد. تقول:«القومُ ذاهبون» ولا تقولُ: ذاهبٌ، وإن كان لفظُ «القوم» لفظَ المفردِ. وإنما حَسُن «كلُّكم ذاهب» لأنهم يقولون: كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ، فكان الإِفرادُ مراعاةً لهذا المعنى «.
قال الشيخ:» ويَحتاج «كلُّكم ذاهبون» ونحوُه إلى سَماعٍ ونَقْلٍ عن العرب «. يُقَرِّر ما قاله السهيليُّ. قلت: وتسميةُ الإِفرادِ حَمْلاً على المعنى غيرُ الاصطلاحِ، بل ذلك حَمْلٌ على اللفظ، الجمعُ هو الحَمْلُ على المعنى.
وقال أبو البقاء:» وَوُحِّدَ «آتِيْ» حَمْلاً على لفظ «كل» وقد جُمِعَ في موضعٍ آخرَ حَمْلاً على معناها «. قلت: قوله في موضعٍ آخرَ إنْ عَنَى في القرآن فلم يأتِ الجمعُ إلا» وكلٌّ «مقطوعةٌ عن الإِضافة نحو: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء: ٣٣]{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}[النمل: ٨٧] وإنْ عَنَى في غيرِه فيَحْتاج إلى سماعٍ عن العرب كما تقدَّم.