قوله:{الذي جَعَلْنَاهُ} يجوزُ جَرُّه على النعتِ أو البدلِ أو البيانِ، والنصبُ بإضمار فعلٍ، والرفعُ بإضمارِ مبتدأ. و» جَعَلَ «يجوز أن يتعدى لاثنين بمعنى صَيَّر، وأَنْ يتعدَّى لواحدٍ.
والعامَّةُ على رفعِ ِ «سواءٌ» وقرأه حفصٌ عن عاصم بالنصبِ هنا وفي الجاثية: {سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ}[الآية: ٢١] . ووافق على الذي في الجاثيةِ الأخَوان، وسيأتي توجيهُه. فأمَّا على قراءةِ الرفع فإن قلنا: إنَّ جَعَلَ بمعنى صَيَّر كان في المفعولِ الثاني أوجهٌ، أحدها: وهو الأظهرُ أنَّ الجملةَ مِنْ قولِه {سَوَآءٌ العاكف فِيهِ} هي المفعولُ الثاني، ثم الأحسنُ في رفع «سواءٌ» أن يكون خبراً مقدماً، والعاكفُ والبادي مبتدأ مؤخر. وإنما وُحِّد الخبرُ وإن كان المبتدأُ اثنين؛ لأنَّ سواء في الأصل مصدرٌ وُصِفَ به. وقد تقدَّم هذا أولَ البقرة. وأجاز بعضُهم أن يكون «سواءٌ» مبتدأ، واما بعدَه الخبر. وفيه ضَعْفٌ أو مَنْعٌ من حيث الابتداءُ بالنكرة من غير مُسَوِّغٍ، ولأنه متى اجتمع معرفةٌ ونكرةٌ جُعِلت المعرفةُ المبتدأ. وعلى هذا الوجهِ أعني كونَ الجملة مفعولاً ثانياً فقولُه «للناس» يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أن يتعلق بالجَعْل أي: جَعَلْناه لأجلِ الناسِ كذا. والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ، على أنَّه حالٌ مِنْ مفعول «جَعَلْناه» ولم يذكر أبو البقاء فيه على هذا الوجهِ غيرَ ذلك وليس معناه متضحاً.
الوجه الثاني: أنَّ «للناس» هو المفعولُ الثاني. والجملةُ مِنْ قوله {سَوَآءٌ