لَمَّا كانَتْ لشيءٍ واحدٍ اقْتَنَعَ بذكرِ اثنين عن ذِكْر الثالث «فقَدَّرَ المفعولَ الأول ضميراً متصلاً. قال الشيخ:» وقد رَدَدْنا هذا التخريجَ في أواخرِ آلِ عمران في قولِه: {لاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ} في قراءةِ مَنْ قرأه بالغَيْبة، وجَعَل الفاعلَ «الذين يَفْرحون» . وملخَّصُه: أن هذا ليس من الضمائر التي يُفَسِّرها ما بعدَها فلا يتقدَّر «لا يَحْسَبَنَّهم» إذ لا يجوزُ: «ظَنَّه زيدٌ قائماً» على رَفْعِ «زيدٌ» ب «ظنَّه» قلت: وقد تقدَّم في الموضعِ المذكورِ رَدُّ هذا الردِّ فعليك بالالتفاتِ إليه.
الثالث: أنَّ المفعولَيْنِ هما قولُه: {مُعْجِزِينَ فِي الأرض} قاله الكوفيون. ولمَّا نحا إليه الزمخشريُّ قال:«والمعنى: لا يَحْسَبَنَّ الذين كفروا أحداً يُعْجِزُ اللهَ في الأرض حتى يَطْمَعوا هم في مثلِ ذلك. وهذا معنىً قويٌّ جيد» .
قلت: قيل: هو خطأٌ؛ لأنَّ الظاهرَ تعلُّقُ في «الأرض» ب «مُعْجِزين» فجعله مفعولاً ثانياً كالتهيئةِ للعملِ والقطعِ عنه، وهو نظيرُ:«ظَنَنْتُ قائماً في الدار» .
قوله:{وَمَأْوَاهُمُ النار} فيه ثلاثةُ أوجهٍ. أحدُها: أنَّ هذه الجملةَ عطفٌ على جملةِ النهيِ قبلَها مِنْ غيرِ تأويلٍ ولا إضمارٍ، وهو مذهبُ سيبويهِ أعني عَطْفَ الجملِ بعضِها على بعض، وإن اختلفَتْ أنواعُها خبراً وطَلَباً وإنشاءً. وقد تقدَّم تحقيقُه في أولِ هذا الموضوعِ والدليلُ عليه. الثاني: أنَّها معطوفةٌ عليها، ولكن بتأويلِ جملةِ النهي بجملةٍ خبريةٍ. والتقدير: الذين كفروا لاَ يُفوتون اللهَ ومَأْواهم النار. قاله الزمخشري. كأنه يرى تناسُبَ الجملِ شرطاً في العطفِ. هذا ظاهرُ حالِه. الثالث: أنها معطوفةٌ على جملةٍ مقدرةٍ.