جمعٍ باعتبارِ أنَّ المعنى: فليحذَرْ هو. أي: مِنْ ذِكْرِ مثلِ ذلك. وحكى سيبويه «ضرَبني وضربْتُ قومَك» أي: ضربني مَنْ ثَمَّ ومَنْ ذُكِر، وهي مسألةٌ معروفةٌ في النحوِ، أو يكونُ التقديرُ: فليحذَرْ كلُّ واحدٍ من المُتَسَلِّلين. وعن الثاني: بأنه يجوزُ أَنْ يُؤْمَرَ الإِنسانُ بالحَذَرِ عن نفسِه مجازاً. يعني أنَّه لا يطاوعُها على شهواتِها وما تُسَوِّلُه له من السوءِ. كأنه قيل: فَلْيحذرِ المخالفونَ أنفسَهم، فلا يُطِيْعوها في ما تَأْمُرُهُمْ به، ولهذا يُقال: أَمَر نفسَه ونهاها، وأَمَرَتْه نفسُه باعتبار المجازِ.
ومنها: أنَّه يَصيرُ قولُه: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مُفْلَتاً ضائِعاً؛ لأنَّ «يَحْذَرُ» يتعدَّى لواحدٍ، قد أَخَذَه على زَعْمِكم وهو «الذين يُخالفون» ، ولا يتعدى إلى اثنين حتى يَقُولوا: إنَّ «أنْ تصيبَهم فتنةٌ» في محلِّ مفعولِه الثاني فبقي ضائعاً. وفيه نظرٌ؛ لأنَّه لا يُسَلَّم ضَياعُه؛ لأنه مفعولٌ من أجله. واعتُرِضَ على هذا: بأنه لم يَسْتكمل شروطَ النصبِ لاختلافِ الفاعلِ؛ لأنَّ فاعلَ الحَذَرِ غيرُ فاعلِ الإِصابةِ وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ حَذْفَ حرفِ الجرِّ يَطَّرِدُ مع أَنْ وأنَّ. فنقول: مُسَلَّمٌ شروطُ النصبِ غيرُ موجودة، وهو مجرورٌ باللامِ تقديراً، وإنما حُذِفَتْ مع «أَنْ» لطولِها بالصلة.
و «يُخالِفُون» يتعدى بنفسِه نحو: خالَفْتُ أَمْرَ زيدٍ، و «إلى» نحو: خالَفْتُ إلى كذا، فكيف تعدى هذا بحرفِ المجاوزِة؟ وفيه أوجهٌ، أحدها: أنَّه ضُمِّن معنى صَدَّ وأَعْرَضَ أي: صدَّ عن أمرِه وأَعْرَضَ عنه مخالِفاً له. والثاني: قال ابن عطية: «معناه يَقَعُ خلافُهم بعدَ/ أَمْرِه، كما تقول: كان المطر عن ريحِ