والفصلُ، وتقدَّمت صفةُ السمع وإن كان سؤالُ التقبُّلِ متأخراً عن العمل للمجاوَرَةِ، كقولِه:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت}[آل عمران: ١٠٦] وتأخَّرت صفةُ العِلْمِ لأنَّها فاصلةٌ، ولأنَّها تَشْمَل المسموعاتِ وغيرَها.
قوله:{مُسْلِمَيْنِ} مفعولٌ ثان للجَعْل لأنَّه بمعنى التصيير، والمفعولُ الأولُ هو «ن» وقرأ ابن عباس «مسلمِين» بصيغةِ الجمع، وفي ذلك تأويلان أحدُهما: أنهما أَجْرَيَا التثنية مُجْرَى الجمعِ، وبه استدلَّ مَنْ يَجْعَلُ التثنيةَ جمعاً. والثاني: أنهما أرادا أنفسهما وأهلَهما كهاجر.
قوله {لَّكَ} فيه وجهان، أحدُهما: أن يتعلَّق بمُسْلِمَيْن، لأنه بمعنى نُخْلِصُ لك أوجهَنَا نحو:{أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ} فيكونَ المفعولُ محذوفاً لفَهْمِ المعنى. والثاني: أنه نعتٌ لِمُسْلِمَيْن، أي: مُسْلِمَيْن مستقرَّيْنِ لك أي: مستسلمَيْن، والأولُ أقوى معنىً.
قوله:{وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً} فيه قولان، أحدهُما - وهو الظاهر - أنَّ «مِنْ ذريتنا» صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ هو مفعولٌ أولُ، و «أمة مسلمة» مفعولٌ ثان تقديرُه: واجْعَلْ فريقاً من ذريتنا أمةً مسلمةً. وفي «من» حينئذ ثلاثة أقوالٍ، أحدُها: أنها للتبعيض، والثاني - أجازه الزمخشري - أن تكونَ لتبيين، قال: كقولِه: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ}[النور: ٥٥] . الثالث: أن تكون لابتداءِ غايةِ الجَعْل، قاله أبو البقاء.
الثاني من القولَيْن: أن يكونَ «أمَّةً» هو المفعولَ الأولَ، و «مِنْ ذريتنا»