الأمرَ منه اقْرَرْنَ، إلاَّ أنه لا مُسَوِّغَ للحذفِ؛ لأن الفتحةَ خفيفةٌ، ولا يجوز قياسُه على قولِهم «ظَلْتُ» وبابِه؛ لأن هناك شيئَيْن ثقيلين: التضعيفَ والكسرةَ فحَسُنَ الحذفُ، وأمَّا هنا فالتضعيفُ فقط.
والجوابُ: أنَّ المقتضِيَ للحذفِ إنما هو التكرارُ.
ويؤيد هذا أنهم لم يَحْذِفوا مع التكرارِ ووجودِ الضمةِ، وإنْ كانت أثقلَ نحو: اغْضُضْنَ أبصارَكنَّ، وكان أَوْلَى بالحذفِ فيُقالُ: غُضْنَ. لكنَّ السماعَ خلافُه. قال تعالى:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور: ٣١] . على أن الشيخَ جمالَ الدين بن مالك قال:«إنه يُحْذَفُ في هذا بطريقِ الأَوْلى» أو تقولُ: إنَّ هذه القراءةَ إنما هي مِنْ قارَ يَقارُ بمعنى اجتمع. وهو وجهٌ حسنٌ بريءٌ من التكلُّفِ، فيندفع اعتراضُ أبي حاتمٍ وغيرِه، لولا أنَّ المعنى على الأمرِ بالاستقرارِ لا بالاجتماع.
وأمَّا الكسرُ فمِنْ وجهين أيضاً أحدهما: أنه أمرٌ من قَرَّ بالمكانِ بالفتح في الماضي، والكسرِ في المضارع، وهي اللغةُ الفصيحةُ، ويجيءُ فيه التوجيهاتُ الثلاثةُ المذكورةُ أولاً: إمَّا حَذْفُ الراءِ الثانية أو الأولى، أو إبدالُها ياءً، وحَذْفُها كما قال الفارسيُّ. ولا اعتراض على هذه القراءةِ لمجيئها على مشهورِ اللغة فيندفعُ اعتراضُ أبي حاتم، ولأنَّ الكسرَ ثقيلٌ، فيندفعُ الاعتراضُ الثاني، ومعناها مطابقٌ لِما يُرادُ بها من الثبوتِ والاستقرار.
والوجه الثاني: أنها أمرٌ مِنْ وَقَرَ يَقِرُ أي: ثبتَ واستقرَّ. ومنه الوَقارُ. وأصلُه اِوْقِرْن فحُذِفت الفاءُ وهي الواوُ، واسْتُغني عن/ همزةِ الوصل فبقي «قِرْن» وهذا كالأمرِ مِنْ وَعَد سواء. ووزنُه على هذا عِلْنَ. وهذه الأوجهُ المذكورةُ إنما يَتَهَدَّى إليها مَنْ مَرِنَ في علمِ التصريف، وإلاَّ ضاق بها ذَرْعاً.