بالرفع، ووَعَدْتُ بالكلام عليه هنا، فأقول وبالله التوفيق: أمَّا قراءةُ النصبِ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ تَنْتَصِبَ على الحالِ من الضميرِ المستترِ في الجارِّ والمجرورِ وهما: «كالذين آمنوا» ، ويكونُ المفعولُ الثاني للجَعْل «كالذين آمنوا» أي: أحَسِبوا أَنْ نَجْعَلَهم مثلَهم في حالِ استواءِ مَحْياهم ومماتِهم ليس الأمرُ كذلك. الثاني: أَنْ يكونَ «سواءً» هو المفعولَ الثاني للجَعْل، و «كالذين» في محلِّ نصبٍ على الحال أي: لن نجعلَهم حالَ كونِهم مثلَهم سواءً، وليس معناه بذاك. الثالث: أَنْ يكونَ «سواءً» مفعولاً ثانياً ل «حَسِب» .
وهذا الوجهُ نحا إليه أبو البقاء، وأظنُّه غَلَطاً لِما سَيَظْهَرُ لك فإنَّه قال:«ويُقْرأ بالنصب. وفيه وجهان، أحدهما: هو حالٌ من الضميرِ في الكافِ أي: نجعلَهم مثلَ المؤمنين في هذه الحالِ. والثاني: أَنْ يكونَ مفعولاً ثانياً ل» حَسِب «والكافُ حالٌ، وقد دَخَلَ استواءُ مَحْياهم وممَاتُهم في الحُسْبان، وعلى هذا الوجهِ مَحْياهم ومماتُهم مرفوعان ب» سَواء «؛ لأنَّه قد قَوِيَ باعتمادِه» انتهى. فقد صَرَّح بأنه مفعولٌ ثانٍ للحُسْبان. وهذا لا يَصِحُّ البتةَ؛ لأنَّ «حَسِبَ» وأخواتِها إذا وَقَعَ بعدها «أنَّ» المشددةُ أو «أَنْ» المخففةُ أو الناصبةُ سَدَّتْ مَسَدَّ المفعولين، وهنا قد وَقع بعد الحُسْبان «أنْ» الناصبةُ فهي سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ، فَمِنْ أين يكونُ «سواءً» مفعولاً ثانياً ل حَسِب؟
فإنْ قلتَ: هذا الذي قُلْتُه رأيُ الجمهورِ سيبويهِ وغيرِه، وأمَّا غيرُهم كالأخفشِ فيدَّعي أنها تَسُدُّ مَسَدَّ واحدٍ. إذا تقرَّر هذا فقد يجوزُ أنَّ أبا البقاءِ ذَهَبَ هذا المذهبَ، فأعرب «أَنْ نجعلَهم» مفعولاً أولَ و «سواءً» مفعولاً ثانياً.