وقال تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً}[مريم: ٢٦] أي: سكوتاً لقوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} . وصامَ النهارُ أي: اشتدَّ حَرَّه، قال:
٨٣٦ - حتى إذا صامَ النهارُ واعتَدَلْ ... ومالَ للشمسِ لُعابٌ فَنَزَلْ
كأنهم تَوَهَّموا ذلك الوقتَ إمساكَ الشمسِ عن المَسِيرِ. ومَصَامُ النجومِ: إمساكُها عن السيرِ، قال امرؤ القيس:
٨٣٧ - كأنَّ الثُّرِيَّا عُلِّقَتْ في مَصامِها ... بأمراسِ كُتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ
قوله:{كَمَا كُتِبَ} فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدها: أنَّ محلَّها النصْب على نعتِ مصدرٍ محذوفٍ أي: كُتِبَ كَتْباً مثلَ ما كُتِبَ. الثاني: أنه في محلِّ حالٍ من المصدرِ المعرفةِ أي: كُتِبَ عليكم الصيامُ الكَتْبَ مُشْبِهاً ما كُتِبَ. و «ما» على هذين الوجهينِ مصدريةٌ. الثالث: أن يكون نعتاً لمصدرٍ من لفظِ الصيام، أي: صوماً مثلَ ما كُتِبَ. ف «ما» على هذا الوجه بمعنى الذي، أي: صوماً مماثلاً للصومِ المكتوبِ على مَنْ قبلكم. و «صوماً» هنا مصدر مؤكِّد في المعنى، لأنَّ الصيامَ بمعنى: أنْ تصُومُوا صوماً، قاله أبو البقاء، وفيه أنَّ المصدرَ المؤكِّد يُوصَفُ، وقد تقدَّم مَنْعُه عندَ قولِهِ تعالى {بالمعروف حَقّاً عَلَى المتقين}[البقرة: ١٨٠] . وقال الشيخ - بعد أَنْ حكى هذا عن ابن عطية - «وهذا فيه بُعْدٌ؛ لأنَّ تشبيهَ الصوم بالكتابةِ لا يصحُّ، هذا إن كانت» ما «مصدريةً، وأمّا إن كانت