تخصيصُ الشيءِ بنفسِه وهو مُحالٌ. ولا جائزٌ أَنْ يَكونَ صفةً لهما لأنه يَفْسُدُ من الوجهينِ المذكورينِ مِنْ كونِه وَصَفَ الهدى فقط، أو بينات فقط.
ولا جائزٌ أَنْ يتعلَّق بلفِظِ «بينات» لأنَّ المتعلَّقَ قَيْدٌ في المتعلَّقِ به، فهو كالوصفِ فيمتنع من حيثُ يمتنعُ الوصفُ، وأيضاً فلو جَعَلْتَ هنا مكانَ الهدى ضميراً فقلْتَ: منه، أي: من ذلك الهُدى لم يَصِحَّ، فلذلك اخْتَرْنا أن يكونَ الهُدى والفرقانُ عامَّيْنِ حتى يكونَ هُدَى وبينات بعضاً منهما «.
قوله:{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ} » مَنْ «فيها الوجهانِ: أعني كونَها موصولةً أو شرطيةً، وهو الأظهرُ. و» منكم «في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الضميرِ المستكنِّ في» شَهِدَ «، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي: كائناً منكم. وقال أبو البقاء:» منكم «حالٌ من الفاعلِ، وهي متعلقةٌ ب» شِهِدَ «. قال الشيخ:» فَناقَضَ، لأنَّ جَعْلَهَا حالاً يوجِبُ أَن يكونَ عاملُها محذوفاً، وجَعْلَها متعلقةً بشَهِدَ يوجِبُ ألاَّ تكونَ حالاً «. ويمكنُ أَنْ يُجابَ عن اعتراضِ الشيخ عليه بأنَّ مرادَه التعلُّق المعنوي، فإنَّ كائناً الذي هو عاملٌ في قولِه» منكم «هو متعلِّقٌ بشَهِدَ، وهو الحالُ حقيقةً.
وفي نَصْبِ» الشهر «قولان، أحدُهما: أنَّه منصوبٌ على الظرف، والمرادُ بشَهِدَ: حَضَر ويكونُ مفعولُ» شَهِدَ «محذوفاً تقديرُه: فَمَنْ شَهِدَ منكُم المِصْرَ أو البلدَ في الشهرِ.
والثاني: أنه منصوبٌ على المفعولِ به، وهو على حَذْفِ مضافٍ. ثم اختلفوا في تقدير ذلك المضاف: فالصحيحُ أنَّ تقديره «دخول الشهر» . وقال بعضُهم: هلال الشهر، وهذا ضعيفٌ لوجهين، أحدهما: أنك لا تقول: شَهِدْتُ الهلالَ، إنما تقول: شاهَدْتُ الهِلالَ.