إلى ما تضمَّنَتْه آيةُ الصيامِ من أولها إلى هنا، وآيةُ الصيامِ قد تَضَمَّنَتْ عدةَ أوامِرَ، والأمرُ بالشيء نْهَيٌ عن ضدَّه، فبهذا الاعتبارِ كانَتْ عِدَّةَ مناهيَ، ثم جاء آخرُها صريحَ النهي وهو:«ولا تباشِرُوهُنَّ» فأَطْلَقَ على الكل «حدوداً» تغليباً للمنطوقِ به، واعتباراً بتلك المناهي التي تضمَّنَتْهَا الأوامرُ، فقيل فيها حدودٌ، وإنما اضطُرِرْنا إلى هذا التأويلِ لأنَّ المأمورَ به لا يقال فيه «فلا تَقْرَبُوها» .
قال أبو البقاء:«دخولُ الفاءِ هنا عاطفةٌ على شيءٍ محذوفٍ تقديرُه:» تَنَبَّهوا فلا تَقْرَبُوها «ولا يَجُوز في هذه الفاء أَنْ تكونَ زائدةً كالتي في قولِهِ تعالى: {وَإِيَّايَ فارهبون}[البقرة: ٤٠] على أحدِ القولَيْنِ، لأنه كانَ ينبغي أن ينتصِبَ» حدودَ الله «على الاشتغالِ، لأنه الفصيحُ فيما وَقَعَ قبل أمر أو نهي نحو:» زيداً فاضْرِبْه، وعمراً فلا تُهِنْهُ «فلمَّا أَجْمَعَت القُرَّاءُ هنا على الرفع علمنا أنَّ هذه الجملةَ التي هي» فلا تَقْرَبُوها «منقطعةٌ عمَّا قبلها، وإلاَّ يلزمْ وجودُ غيرِ الفصيحِ في القرآنِ.
والحدودُ: جَمْعُ حَدٍّ وهو المنعُ، ومنه قيلَ للبَوَّاب: حَدَّاد، لأنَّه يَمْنَعُ من العبور. وحَدُّ الشيءِ منتهاه ومنقطَعُه، ولهذا يُقال: الحَدُّ مانِعٌ جامع أي: يَمْنَعَ غير المحدودِ الدخولَ في المحدودِ. والنهيُ عن القربانِ أبْلَغُ من النهيِ عن الالتباسِ بالشيءِ، فلذلك جاءتِ الآيةُ الكريمةُ.
وقال هنا:» فلا تقْرَبُوها «وفي مواضع أُخَرَ: {فَلاَ تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] ومثلُه: {