للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أنّ المنهيَّ عنه هو الرفثُ والفسوقُ دونَ الجدالِ بقولِه عليه السلام: «مَنْ حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ» وأنه لم يَذْكُرِ الجدالَ. وهذا الذي ذكره الزمخشري سبقه إليه صاحبُ هذه القراءة، إلا أنه أفصحَ عن مرادِه، قال أبو عمرو بن العلاء - أحد قارئيها -: الرفعُ بمعنى فلا يكونُ رفثٌ ولا فسوقٌ؛ أَيْ شيءٌ يَخْرُج من الحَجِّ، ثم ابتدأ النفيَ فقال: «ولا جدالَ» ، فأبو عمرو لم يجعل النفيَيْن الأوَّلَيْن نهياً، بل تركهما على النفي الحقيقي؛ فمِنْ ثَمَّ كان في قولِه هذا نظرٌ؛ فإنَّ جملة النفيِ بلا التبرئةِ قد يرادُ بها النهيُ أيضاً، وقيل ذلك في قوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢] . والذين يظهر في الجوابِ عن ذلك ما نقله أبو عبد الله الفاسي عن بعضهم فقال: «وقيل: الحُجَّةُ لمَنْ رفعهما أنَّ النفي فيهما ليس بعامٍّ، إذ قد يقع الرفث والفسوق في الحج من بعضِ الناسِ بخلاف نفي الجدال في أمر الحج فإنه عامٌّ. . .» وهذا يتمشَّى على عُرْفِ النحويين فإنهم يقولون: لا العاملةُ عملَ «ليس» لنفي الوَحْدة، والعاملةُ عملَ «إنَّ» لنفي الجنس، قالوا: ولذلك يُقال: لا رجلَ فيها بل رجلان أو رجال إذا رفعت، ولا يَحْسُن ذلك إذا بَنَيْتَ اسمَها أو نَصَبْتَ بها. وتوسَّط بعضُهم فقال: التي للتبرئة نصٌّ في العمومِ، وتلك ليست نَصَّاً، والظاهرُ أنَّ النكرةَ في سياق النفي مطلقاً للعموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>