الناس، وبهذا قال جماعةٌ كالضحاك ورجَّحه الطبري، وهو الذي يقتضيه ظاهرُ القرآنِ وعلى هذا ف «ثم» على بابها، قال الزمخشري:«فإنْ قلت: كيف موقعُ» ثم «؟ قلت: نحوُ موقِعها في قولك:» أحْسِنْ إلى الناس ثم لا تُحْسِن إلى غير كريم «تأتي ب» ثم «لتفاوتِ ما بين الإِحسانِ إلى الكريمِ والإِحسان إلى غيرِه وبُعْدِ ما بينهما، فكذلك حين أمرَهم بالذكر عند الإِفاضةِ من عرفات قال:» ثم أفيضوا «لتفاوتِ ما بين الإِفاضَتَيْنِ وأنَّ إحداهما صوابٌ والثانيةَ خطأٌ» . قال الشيخ:«وليست الآية نظيرَ المثال الذي مثَّله، وحاصلُ ما ذَكَرَ أن» ثم «تَسْلُب الترتيبَ وأنَّ لها معنىً غيرَه سَمَّاه بالتفاوتِ/ والبُعْدِ لما بعدها مِمَّا قبلها، ولم يَذْكُر في الآية إفاضة الخطأ حتى تجيء» ثم «لتفاوتِ ما بينها، ولا نعلمُ أحداً سبقه إلى إثبات هذا المعنى لثم» . وهذا الذي ناقشَ الشيخُ به الزمخشري تحاملٌ عليه، فإنه يعني بالتفاوتِ والبُعْد التراخيَ الواقعَ بين الرتبتين. وسيأتي له نظائرُ، وبمثلِ هذه الأشياءِ لا يُرَدُّ كَلامُ مثلِ هذا الرجل.
و «من حيث» متعلِّقٌ بأَفيضوا، و «مِنْ» لابتداءِ الغايةِ، و «حيث» هنا على بابِها من كونِها ظرفَ زمانٍ، وقال القفال:«هي هنا لزمانِ الإِفاضة» وقد تقدَّم أن هذا قولُ الأخفش، وتقدَّم دليلُه، وكأن القفال رام بذلك التغايرَ بين الإِفاضتين ليقع الجوابُ عن مجيء «ثم» هنا، ولا يفيدُ ذلك لأن الزمان يستلزمُ مكانَ الفعلِ الواقعِ فيه.
و «أفاض الناسُ» في محلِّ جرٍّ بإضافة «حيثُ» إليها. والجمهورُ على رفعِ السين من «الناسُ» .