يقول: يا رب، إني فقير كما ترى، وصبيتي قد عروا كما ترى، وناقتي قد عجفت كما ترى، فما ترى يا من ترى ولا يُرى؟
فإذا بصوت من خلفه: يا عاصم، يا عاصم، الحق عمك! فقد هلك بالطائف وقد خلف ألف نعجة، وثلاثمائة ناقة وأربعمائة دينار، وأربعه أعبد، وثلاثة أسياف يمانية، فامض فخذها فليس له وارث غيرك.
قال: فقلت: يا عاصم، إن الَّذِي دعوت لقد كان قريبًا منك.
قال: يا هذا، أما سمعت قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: ١٨٦].
والآثار والحكايات في هذا المعنى كثيرة جدًّا يطول الكتاب بذكرها، وهي موجودة في مثل "كتاب الفرج بعد الشدة" و"كتاب مجابي الدعوة" لابن أبي الدُّنْيَا، وفي "كتاب المستصرخين بالله عند نزول البلاء" للقاضي أبي الوليد بن الصغار، و"كتاب المستغيثين بالله عند نزول البلاء" للحافظ أبي القاسم ابن بشكوال الأندلسيين وفي غيرها من كتب الزهد والرقائق والتواريخ وغيرها.
وروى الشيخ أبو الفرج في "تاريخه الكبير" بإسناده عن الحسن بن سفيان الفسوي الحافظ أنَّه كان مقيمًا بمصر مع جماعة من أصحابه يكتبون الحديث، فاحتاجوا فباعوا ما معهم حتى لم يبق لهم ما يباع، وبقوا ثلاثة أيام جياعًا لا يجدون شيئًا يكون وأصبحوا في اليوم الرابع وقد عزموا عَلَى المسألة لشدة الضرورة، فاقترعوا عَلَى من يسأل لهم، فخرجت القرعة عَلَى الحسن بن سفيان قال: فتحيرت ودهشت ولم تسامحني نفسي بالمسألة، فعدلت إِلَى زاوية المسجد أصلي ركعتين طويلتين وأدعو الله -عز وجل- لكشف الضر وسياقة الفرج، فلم أفرغ من الصلاة حتى دخل المسجد رجل معه خادم في يده منديل، فَقَالَ: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجود وقلت: أنا.
فَقَالَ: إن الأمير ابن طولون يقرئكم السلام والتحية، ويعتذر إليكم في الغفلة عن تفقد أحوالكم والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث إليكم