للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الخامس

في ذكر كلامه في قِصَر الأمَل والمبادرةِ قبل هجومِ الموتِ بالعملِ

روى أبو بكر الآجري في كتاب "فضائل عمر بن عبد العزيز" لما دَفَن سليمان بن عبد الملك؛ خطب الناس ونزل ثم ذهب يتبوَّأ مقيلاً، فأتاه ابنُهُ عبدُ الملك فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، من لك أن تعيشَ إِلَى الظهر قال: ادنُ مني أي بني، فدنا منه والتزمه وقبل بين عينيه، وقال: الحمد لله الَّذِي أخرج من صُلْبي من يعينُني عَلَى ديني. فخرج فلم يقلْ، وأمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مَظْلمَةٌ فليرفعها.

وروى الحافظ أبو نعيم بإسناده عن إبراهيم بن أبي عبلة، قال: جلس عمر ابن عبد العزيز يومًا للناس، فلما انتصَفَ النهارُ ضجر وملَّ وكلَّ، فَقَالَ للناس: شأنكم حتى أنصرفَ إليكم. فدخل يستريح ساعة، فجاء ابنه عبد الملك فسأل عنه قالوا: دخل. فاستأذَنَ عليه، فأذن له. فلما دخل قال: يا أمير المؤمنين، ما أدخلك؟ قال: أردْتُ أن أستريحَ ساعة. قال: أو أمنْتَ الموتَ أن يأتيك، ورعيتك ينتظرونك، وأنت محتجب عنهم؟ فقامَ عمر من ساعتِهِ وخَرَجَ إِلَى الناس.

وقال ابن أبي الدُّنْيَا في كتاب "العزاء": حدثنا محمد بن الحسين، ثنا محمد بن يحيى بن إسماعيل، عن أبيه قال: مات ابن لعمر بن عبد العزيز، فجاء عمر فقعد عند رأسِهِ، وكشفَ الثوبَ عن وجههِ فجعلَ ينظرُ إِلَيْهِ ويستَدمعُ، فجاء عبد الملك ابنه فَقَالَ: أشَغَلَك يا أمير المؤمنين ما أقبل من الموتِ إليك؟ بل هوى في شغل عما حل لديك، فكأن قد لحقت به وساويته تحت التراب بوجهك. فبكى عمر ثم قال: رَحِمكَ اللهُ يا بني، فواللهِ إنَّك