أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنَّه أرضى لك أن أوقد نارًا عظيمة فأقع فيها فعلت، ولو أعلم أنَّه أرضى لك عني أن ألقي نفسى في الماء فأُغرق نفسي فعلت، وإني لا أقول هذا إلا أريد وجهك، وأنا أرجو أن لا تخيّبني وأنا أريد وجهك (١).
وقُتل لبعض الصالحين ولدان في الجهاد، فعزّاه الناس فيهما فبكى وقال: ما أبكى لفقدهما، إِنَّمَا أبكي كيف كان رضاهما عن الله حيث أخذتهما السيوف.
وكان بعض العارفين يطوف بالبيت، فهجمت القرامطة عَلَى الناس فقتلوهم في الطواف، فوصلوا إِلَيْهِ فلم يقطع الطواف حتى سقط من ضرب السيوف صريعًا فأنشد:
ترى المحبين صرعى في ديارهم ... كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
[أقل ثمن المحبة بذل الروح:]
بدم المحب يباع وصلهم ... فمن الَّذِي يبتاع بالثمن
قال بعض العارفين: إن كنت تسمح ببذل روحك في هذه الطريق، وإلا فلا تشتغل بالترهات:
خاطر بروحك في هوانا واسترح ... إن شئت تحظى بالمحِّل الأعظم
لا يشغَلَنَّك شاغل عن وصلنا ... وانهض عَلَى قدم الرجاء وقدَّم
ولما كانت محبة الله عز وجل لها لوازم، وهي محبة ما يحبه الله عز وجل من الأشخاص والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، سأل النبي صلّى الله عليه وسلم الله مع محبته محبة شيئين آخرين.
أحدهما: محبة من يحب ما يحبه الله تعالى.
فإن من أحبَّ الله أحبَّ أحبَّاءه فيه ووالاهم، وأبغض أعداءه وعاداهم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله
(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (١/ ١٤٢ - ١٤٣) عن عمار بنحوه.