للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إحداهما]

أن يكون مستندًا إِلَى قرائن مجردة، أو إِلَى شهادة من لا تقبل شهادته إما لانفراده بالرؤية، أو لكونه ممن لا يجوز قبول قوله ونحو ذلك. فهذه المسألة قد اختلف الناس فيها عَلَى قولين:

أحدهما: أنه لا يصام في هذه الحالة. قال النخعي في صوم يوم عرفة في الحضر: إذا كان فيه اختلاف، فلا تصومن. وعنه قال: كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسًا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح. خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه (١)، وسنذكر عن مسروق وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد إِن شاء الله تعالى.

وكلام هؤلاء قد يقال -والله أعلم- أنه محمول عَلَى الكراهة دون التحريم. وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- في صوم هذا اليوم في هذه (الحالة) (*) أنه جائز بلا نزاع بين العُلَمَاء. قال: لأنّ الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم لم يطلع، فإنهم يصومون ذلك اليوم باتفاق الأئمة، وإنما يوم الشك الَّذِي رويت فيه الكراهة الشك في أول رمضان؛ لأنّ الأصل بقاء شعبان. انتهى.

فإما أن يكون اطلع عَلَى كلام النخعي وحمله عَلَى الكراهة، (فذلك نفي) (**) النزاع في جوازه، وإما أن يكون لم يطلع عليه. ومراده: أن يستصحب الأصل في كلا الموضوعين؛ لأنّ الأصل بقاء الشهر المتيقن وجوده، وعدم دخول الشهر المشكوك في دخوله. فكذلك هنا إذا شك في دخول ذي الحجة بنى الأمر عَلَى إكمال ذي القعدة؛ لأنّه الأصل ويصام يوم عرفة عَلَى هذا الحساب. وهو تكميل شهر ذي القعدة.

ولكن من السَّلف من كان يصوم يوم الشك في أول رمضان احتياطًا. وفرق


(١) في "المصنف" (٢/ ٣٤١) برقم {٩٧١٩، ٩٧٢٠}.
(*) الحال: "نسخة".
(**) فلذلك نفي: "نسخة".