للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

قال شيخنا وسيدنا الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام، مفتي الأنام، وحيد عصره، وفريد دهره:

أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي نفع الله به.

فصل في قوله تعالى:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

دلت هذه الآية عَلَى إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق، وعلى نفيها عن غيرهم عَلَى أصح القولين، وعلى نفي العِلْم عن غير أهل الخشية أيضاً.

أما الأول: فلا ريب فيه، فإن صيغة "إِنَّمَا" تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتفاق؛ لأنّ خصوصية "إنَّ" إفادة التأكيد، وأما "ما" فالجمهور عَلَى أنها "كأن"، ثم قال جمهور النحاة هي الزائدة التي تدخل عَلَى: {إن، وأن، وليت، ولعلَّ، وكأن} فتكفها عن العمل؛ لأنّ الأصل في الحروف العاملة أن تكون مختصة، فَإِذَا اختصت بالاسم أو الفعل، ولم تكن كالجزء منه عملت فيه، و"إن وأخواتها" مختصة بالاسم، فتعمل فيه، فإذا دخلت عليها "ما" أزالت اختصاصها فصارت تدخل عَلَى الجفلة الاسمية والفعلية فبطل عملها، وإنَّما عملت "ما" النافية عَلَى اللغة التي نزل بها القرآن، وهي لغة أهل الحجاز استحسانًا لمشابهتها لـ "ليس" وذهب بعض الكوفيين، وابن درستويه إِلَى أن "ما" مع هذه الحروف اسم مبهم لمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أن الجملة بعده مفسرة له ومخبر بها عنه.

وذهبت طائفة من الأصوليين وأهل البيان إِلَى أن "ما" هذه نافية واستدلوا بذلك عَلَى إفادتها الحصر، وأن "إنَّ" أفادت الإثبات في المذكور و"ما" أفادت النفي فيما عداه، وهذا باطل باتفاق أهل المعرفة باللسان، فإن "إنَّ" إِنَّمَا تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا، لا تفيد الإثبات، و"ما"، زائدة