للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

ربِّ يسرّ يا كريم

الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله أجمعين وسلَّم تسليمًا. وبعد.

فهذا فصلٌ في وجوب إخراج الذكاة عَلَى الفور. قد صرَّح بذلك أصحابنا في كتبهم، وكلامُ الإمام أحمد يدلُّ عليه؛ قال في رواية (جعفر) (*) بن محمد: إذا وجبت الزكاةُ لا يخرجها إلا جملة، لا يُفرِّط. وقال في رواية ابن هانئ وصالح، وسُئل أتؤخر الزكاة؟ قال: لا. قال في رواية أبي داود: لا يؤخرها عن محلها.

وقال بكرُ بن محمد: سُئل أبو عبد الله عن رجل يكون وقت زكاته، فيُخرج فيُعطي قليلاً قليلاً: فكأنه كره إذا حلَّت عليه إلا أن يُقدمها. قال: ما يأمن الحدثان (**). قال: ولكن يُخرج قليلاً قليلاً قبل أنْ تحل، فَإِذَا حلَّت تعيَّن تخريجُها.

وقال الأثرم: سُئل أبو عبد الله عن رجل يحول الحولُ عَلَى ماله، فيُؤخّر عن وقت الزكاة. قال: ولم يؤخر، يُخرجها إذا حال الحولُ. وشدَّد في ذلك. قِيلَ لَهُ: فإن حال الحولُ فابتدأ في إخراجها. فجعل يُخرج أولاً فأولاً.

قال: لا يحل، يخرجها كلَّها إذا حال عليه الحول. وشدَّد في ذلك.

وقال رواية ابن منصور وصالح، وسُئل عن قول سُفيان الثوري: إذا وجبت عليه الزكاة فجعلها في كيس، فجعل يُعطي قليلاً قليلاً يرعى الموضع.

قال: لا بأس إذا كان لا يجد، فَإِذَا وجد لأنّ يفرغ منه أَحَبّ إلي. قال: أحمد: جيد. وهذه الرواية قد تُشعر بعدم التحريم.


(*) في الأصل ابن جعفر. المثبت هو الصواب، وهو القافلاني وقد صحب من صحب أحمد بن حنبل، {انظر طبقات الحنابلة} (٥٨٦) وتاريخ بغداد (٧/ ٢١٩) والمقصد الأرشد (٣١٧).
(**) حدثان الدهر وحوادثه. نوبه، وما يحدث منه. قال الأزهري الحدث من أحدث الدهر. شبه النازلة "اللسان" (٢/ ١٣٢).