كان عبد الملك -رحمه الله- يكره أن يُدخل نفسه في تأديب أهل الفساد، خشيةَ أن يتعدّى الحدودَ الشرعية، وهو غيرُ قاصدٍ لذلك، أو خشية أن يُنسبَ إِلَى الظلمِ وهو منه بريء.
فروى عبد الله بن بطة ابنُ الفقيه الزاهدِ المجاب الدعوةِ، وهو من أعيان علماء الحنابلة في كتاب "الحمّام" بإسناده عن ميمون بن مهران قال: أتيتُ عبدَ الملك بن عمر بن عبد العزيز، فاستأذنت عليه، فقعدت عنده ساعة، فأُعجبتُ به. فجاء الغلام فَقَالَ: فرغنا مما أمرتنا به. قال: قلتُ: وما ذاك؟ قال: الحمّام أمرتُهُ أن يُخليهُ لي. قلت: إني كنتُ قد أعجبتُ بك حتى سمعتُ هذه! قال: وما ذاك يا عماه؟ قال: أرأيت الحمّام ملكًا لك؟ قال: لا. قلت: فما الَّذِي يحملُكَ أن تصُدَّ عنه غايته وتعطّله عَلَى أهله؟! قال: إِن أعطَله عليه فأنا أعطيه غلة يومِهِ. قلت: هذه نفقةُ كبرٍ خلطها إسرافٌ، كأنك تريدُ بذلك الأُبَّهَة؛ فإنما أنتَ رجلٌ من المسلمين كأحدهم يجزئك أن تكون مثلهم! فَقَالَ: والذي عظَّم من حقك، ما يمنعني أن أدخلَ معهم إلا أن أرى قومًا رعاعًا بغير مآزر! فأكرَهُ أن أؤدبهم عَلَى الإزار، فيصفُونَ ذلك عَلَى سُلطاننا، خلَّصنا اللهُ منهم كفافًا. قال: قلتُ: تدخله ليلاً. قال: افعلُ، ولولا بردُ بلادنا ما دخلتُهُ ليلاً ولا نهارًا.