روى ابن أبي الدُّنْيَا في كتاب "العفو وذَم الغضب" من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: أمر عمر بن عبد العزيز غلامهُ بأمرٍ، فغضب عمر، فَقَالَ له عبد الملك: يا أبتاه، وما هذا الغضبُ والاختلاط؟! فَقَالَ عمر: إنك لتتحلم يا عبد الملك؟ فَقَالَ له عبدُ الملك: لا واللهِ ما هو التحلُّم، ولكنه الحِلْم.
قال: وقال عمر بن عبد العزيز: لولا أن أكونَ زُين لي من أمر عبد الملك، ما يزين في عين الوالد من ولده، لرأيتُ أنَّهُ أهلٌ للخلافة.
ومراد عبد الملك -رحمه الله-: أنَّ الحُلْمَ عنده صفةٌ لازمةٌ له، وهو مجبولٌ عليها، ولا يحتاجُ أن يتعاطاهُ، ويتكلَّفهُ تكلُّفًا من غير أن يكون عنده حقيقة.
وروى الدورَقي هذه القصة في كتابه. وعنده أن عبد الملك قال لأبيه: لا والذي أكرمك بما أكرمك به إِن ملأني غَضبٌ قط. والمعنى: ما ملأني الغضب قط.
وروى أبو نعيم في "الحلية" بإسنادهِ عن إسماعيل بن أبي الحكم قال: غضب عمر بن عبد العزيز يومًا فاشتد غَضبهُ وكان فيه حدَّةٌ، وعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز حاضرٌ. فلما سكن غَضبُهُ قال: يا أمير المؤمنين، أنت في قدر نعمةِ الله عليك وموضعكَ الَّذِي وضَعَكَ الله به، وما ولاك من أمر عبادِهِ يبلغ بك الغضب ما أرى؟! قال: كيف قلت؟ قال: فأعادَ عليه كلامَه، فَقَالَ له عمر: أما تغضب يا عبد الملك؟ قال: ما تُغني سَعَةُ جوفي إِن لم أردَّ فيه الغَضبَ حتى لا يظهرَ منه شيءٌ أكرهُهُ. قال: وكان له بُطين -رحمه الله تعالى.