للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: [فيمن أراد بالنصيحة للعلماء النصح لله ورسوله ومن أراد التنقص والذم وإظهار العيب وكيفية معاملة كلٍّ منهما] (*)

ومَنْ عُرف منه أنه أراد بردِّه عَلَى العُلَمَاء النصيحةَ لله ورسوله، فإنه يجب أن يُعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمَّة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن اتبعهم بإحسان.

ومن عرف أنه أراد بردِّه عليهم التنقص والذم، وإظهارَ العيب، فإنه ييستحقُّ أن يُقابل بالعُقوبة ليرتدعَ هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة.

ويُعرف هذا القصدُ تارة بإقرار الرادِّ واعترافه، وتارة بقرائن تُحيطُ بفعله وقوله، فمن عُرفَ منه العِلْم والدينُ وتوقيرُ أئمة المسلمينَ واحترامهم، ولم يذكر الردَّ وتبيين الخطأ إلا عَلَى الوجه الَّذِي ذكره غيره من أئمة العُلَمَاء.

وأما في التصانيف، وفي البحث، وجب حملُ كلامِهِ عَلَى الأول وأنه إِنَّمَا يقصد بذلك إظهار الدين والنصح لله ورسوله والمؤمنين، ومن حَمَل كلامه -والحال عَلَى ما ذُكر- فهو ممَّن يظنُّ بالبريء ظن السوء، وذلك من الظن الَّذِي حرمه اللهُ ورسولُه، وهو داخلٌ في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (١)، فإن الظن السوءَ ممن لا يظهر منه أمارات السوء ممَّا حرَّمه الله ورسولُه، فقد جَمَع هذا الظان بين اكتساب الخطيئة والإثم ورَمْي البريء بها. ويقوِّي دخوله في هذا الوعيد إذا ظهرت منه -أعني هذا الظانَّ- أماراتُ السوء، مثلُ: كثرة البغي والعُدوان، وقلَّة الوَرَع وإطلاق اللسان، وكثرة الغيبة والبُهتان، والحَسَد للناس عَلَى ما آتاهم الله من فضله والامتنان، وشدة الحرص عَلَى المُزاحمة عَلَى الرياسات قبل الأوان.


(*) ما بين المعقوفين ليس في الأصول.
(١) النساء: ١١٢.