للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طاوس قوله في مسائل متعددة شذَّ بها عن العُلَمَاء، وعلى غير هؤلاء ممن أجمعَ المسلمونَ عَلَى هدايتهم ودرايتهم ومحبتهم والثناء عليهم.

ولم يعد أحدٌ منهم مخالفيه (١) في هذه المسائل ونحوها طعنًا في هؤلاء الأئمة ولا عيبًا لهم.

وقد امتلأت كتب أئمة المسلمين من السَّلف والخلف بتبيين خطأ هذه المقالات وما أشبهها مثل كتب الشافعي، وإسحاق وأبي عُبيد وأبي ثور ومن بعْدهم من أئمَّة الفقه والحديث وغيرهما ممَّن ادَّعوا هذه المقالاتِ وما كان بمثابتا شيءٌ كثير، ولو ذكرنا ذلك بحروفه لطال الأمرُ جدًّا.

وأما إِن كان مُرادُ الرادِّ بذلك إظهار عيب من ردَّ عليه وتنقُّصه، وتبيين جهله، وقصوره في العِلْم ونحو ذلك كان محرمًا، سواء كان ردُّه لذلك في وَجْهِ من ردَّ عليه أو في غيبته، وسواء كان في حياته أو بعد موته، وهذا داخلٌ فيما ذمَّه اللهُ تعالى في كتابه وتوعد عليه في الهمز واللمز، ودخل أيضاً في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُوْمِنُ بِقَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ يَتَّبِعُ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ» (٢).

وهذا كلُّه في حقِّ العُلَمَاء المُقتدى بهم في الدِّين، فأمَّا أهلُ البدع والضلالة ومن تشبه بالعُلماء وليس منهم، فيجوزُ بيانُ جهلهم، وإظهارُ عيوبهم تحذيرًا من الاقتداء بهم. وليس كلامنا الآن في هذا القبيل، والله أعلم.

...


(١) في جمع النسخ المخطوطة: "مخالفوه".
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ٤٢٠)، وأبو داود (٤٨٨٠) من حديث أبي برزة الأسلمي.