للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب السابع

في ذكر هوان نفسه عليه في ذات الله ورضاه بكل ما يناله من الأذى في تنفيذ أوامر الله عز وجل

روى الإمام أحمد في كتاب "الزهد"، بإسناده عن ميمون بن مهران: أن عبد الملك بن عمر قال لأبيه يومًا: يا أبهْ، ما منعك أن تمضي لما تريد من العدل؟ فوالله ما كنت أبالي لو غَلَت بي وبك القدور في ذلك.

وقال جويرية بن أسماء: قال عبد الملك بن عمر: يا أمير المؤمنين، ما منعك أن تنفذ رأيَكَ في هذا الأمر؛ فوالله ما كنت أبالي لو تغلي بي وبك القدور في نفاذ هذا الأمر.

وقال الربيع بن سبرة: قال عمر بن عبد العزيز يومًا: والله لوددتُ لو عدلتُ يومًا واحدًا، وأن الله توفى نفسي. فَقَالَ له ابنه عبد الملك: وأنا واللهِ لوددتُ لو عدلتُ فواقَ ناقة (١)، وأن الله توفى نفسي. فَقَالَ عمر: آلله الَّذِي لا إله إلا هو؟ فَقَالَ عبد الملك: الله الَّذِي لا إله إلا هو، ولو جاشت بي وبك القدور. فَقَالَ عمر: جزاك الله خيرًا.

وقال سليمانُ بن حبيب المحاربي: قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز: والله ما من أحد أعز علي من عمر، ولأن أكون سمعتُ بموتِهِ أَحَبُّ إلي من أن أكون كما رأيته.

قلت: العارفون بالله المحبون له يرضون بما تقتضيه مقاديرُهُ، وإن كانت شاقة عَلَى النفوس مؤلمة لها، ويتلذذون بذلك، ولا سيما إِن كان أذاهم في


(١) فواق ناقة: ما بين الحلبتين من الوقت؛ لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب "اللسان" (١٠/ ٣١٦).