في ذكر هوان نفسه عليه في ذات الله ورضاه بكل ما يناله من الأذى في تنفيذ أوامر الله عز وجل
روى الإمام أحمد في كتاب "الزهد"، بإسناده عن ميمون بن مهران: أن عبد الملك بن عمر قال لأبيه يومًا: يا أبهْ، ما منعك أن تمضي لما تريد من العدل؟ فوالله ما كنت أبالي لو غَلَت بي وبك القدور في ذلك.
وقال جويرية بن أسماء: قال عبد الملك بن عمر: يا أمير المؤمنين، ما منعك أن تنفذ رأيَكَ في هذا الأمر؛ فوالله ما كنت أبالي لو تغلي بي وبك القدور في نفاذ هذا الأمر.
وقال الربيع بن سبرة: قال عمر بن عبد العزيز يومًا: والله لوددتُ لو عدلتُ يومًا واحدًا، وأن الله توفى نفسي. فَقَالَ له ابنه عبد الملك: وأنا واللهِ لوددتُ لو عدلتُ فواقَ ناقة (١)، وأن الله توفى نفسي. فَقَالَ عمر: آلله الَّذِي لا إله إلا هو؟ فَقَالَ عبد الملك: الله الَّذِي لا إله إلا هو، ولو جاشت بي وبك القدور. فَقَالَ عمر: جزاك الله خيرًا.
وقال سليمانُ بن حبيب المحاربي: قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز: والله ما من أحد أعز علي من عمر، ولأن أكون سمعتُ بموتِهِ أَحَبُّ إلي من أن أكون كما رأيته.
قلت: العارفون بالله المحبون له يرضون بما تقتضيه مقاديرُهُ، وإن كانت شاقة عَلَى النفوس مؤلمة لها، ويتلذذون بذلك، ولا سيما إِن كان أذاهم في
(١) فواق ناقة: ما بين الحلبتين من الوقت؛ لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب "اللسان" (١٠/ ٣١٦).