للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علامة العِلْم الغير نافع]

وعلامة هذا العِلْم الَّذِي لا ينفع أن يكسب صاحبه الزهو والفخر والخيلاء، وطلب العلو والرفعة في الدُّنْيَا والمنافسة فيها، وطلب مباهاة العُلَمَاء ومماراة السفهاء وصرف وجوه الناس إِلَيْهِ، وقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلم: "أن من طلب العِلْم لذلك فالنار النار" (١).

وربما ادعى بعض أصحاب هذه العلوم معرفة الله وطلبه والإعراض عما سواه، وليس غرضهم بذلك إلا طلب التقدم في قلوب الناس من الملوك وغيرهم، وإحسان ظنهم بهم، وكثرة أتباعهم، والتعظم بذلك عَلَى الناس، وعلامة ذلك إظهار دعوى الولاية كما كان يدعيه أهل الكتاب، وكما ادعاه القرامطة والباطنية ونحوهم، وهذا بخلاف ما كان عليه السَّلف من احتقار نفوسهم وازدرائها باطنًا وظاهرًا.

وقال عمرو: من قال إنه عالم فهو جاهل، ومن قال أنَّه مؤمن فهو كافر، ومن قال هو في الجنة فهو في النار.

ومن علامات ذلك: عدم قبول الحق والانقياد إِلَيْهِ والتكبر عَلَى من يقول الحق، خصوصًا إن كان دونهم في أعين الناس، والإصرار عَلَى الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم بإظهار الرجوع إِلَى الحق.

وربما أظهروا بألسنتهم ذم أنفسهم واحتقارها عَلَى رءوس الأشهاد؛ ليعتقد الناس فيهم أنهم عند أنفسهم متواضعون فَيُمدَحُون بذلك، وهو من دقائق أبواب الرياء، كما نبه عليه التابعون فمن بعدهم من العُلَمَاء.

ويظهر منهم من قبول المدح واستجلابه (مما) (*) ينافي الصدق والإخلاص؛


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٥٤)، وابن حبان (٧٧)، والحاكم (١/ ٨٦).
(*) ما: "نسخة".