الباب العاشر في ذكر خوف المحبين العارفين وفضله عَلَى خوف سائر الخائفين
قال الله -تعالى- في حق الفجار: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين: ١٤ - ١٧] فوصفهم بأن كسبهم ران عَلَى قلوبهم، والران هو ما يعلو [عَلَى](١) القلب من الذنوب من ظلمة المعاصي وقسوتها، ثم ذكر جزاءهم عَلَى ذلك، وهو ثلاثة أنواع: الحجاب عن ربهم، ثم صلي الجحيم، ثم التوبيخ.
فأعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم -عز وجل-، ولما كانت قلوبهم في الدُّنْيَا مظلمة قاسية، لا يصل إليها شيء من نور الإيمان وحقائق العرفان كان جزاؤهم عَلَى ذلك في الآخرة حجابهم عن رؤية الرحمن.
قال بعض العارفين:"من عرف الله في الدُّنْيَا، عرفة بقدر تعرفه إِلَيْهِ، وتجلى له في الآخرة بقدر معرفته إياه في الدُّنْيَا، فرآه في الدُّنْيَا رؤية الأسرار، ويراه في الآخرة رؤية الأبصار؛ فمن لا يراه في الدُّنْيَا بسره، لا يراه في الآخرة بعينه" انتهى.
فخوف العارفين في الدنيا من احتجابه عن بصائرهم، وفي الآخرة من احتجابه عن أبصارهم ونواظرهم.
وكتب الأوزاعي إِلَى أخ له: "أما بعد؛ فإنَّه [قد](١) أحيط بك من كل