وهمم العارفين المحبين متعلقة من الآخرة برؤية الله، والنظر إِلَى وجهه في دار كرامته والقرب منه، وقد سبق قول مسلم العابد في ذلك.
وقال عبد الواحد بن زيد عن الحسن:"لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم يوم القيامة لماتوا". وفي رواية عنه قال:"لذابت أنفسهم".
وقال إبراهيم الصائغ:"ما سرني أن لي نصف الجنة بالرؤية. ثم تلا:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين: ١٥] " وخرّجه ابن أبي حاتم.
وروى ابن منده بإسناده عن عبد الله بن وهب قال:"لو خيرت بين دخول الجنة والنظر إِلَى ربي -عز وجل- لاخترت النظر إِلَيْهِ سبحانه وتعالى".
وقال غزوان الرقاشي في قوله تعالى:{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق: ٣٥].
قال:"ما يسرني بحظي من المزيد الدُّنْيَا جميعها". خرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى.
وخرج أيضاً بإسناده عن حبيب أبي محمد قال:"لأن كون في صحراء ليس عَلَيَّ إلا ظلمة وأنا جار لربي -عز وجل- أَحَبّ إلي من جنتكم هذه" وقوله: من "جنتكم هذه" توبيخ لمن تعلق همته من العباد بأنواع نعيم الجنة المتعلق بالمخلوقات فيها مقتصرًا عَلَى ذلك.
ولهذا كان أبو سليمان يقول:"الدُّنْيَا عند الله أقل من جناح بعوضة، فما قيمة جناح البعوضة حتى يزهد فيها؟ إِنَّمَا الزهد في الجنة والحور العين، وكل نعيم خلقه الله ويخلقه حتى لا يرى الله في قلبك غيره".
وكان يقول: "أهل المعرفة دعاؤهم غير دعاء الناس، وهممهم من الآخرة