الحمدُ لله رب العالمين، وصلاته وسلامه عَلَى إمام المتقين، وخاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إِلَى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه كلماتٌ مختصرةٌ جامعةٌ في الفرق بين النصيحة والتعيير، فإنهما يشتركان في أنَّ كلاًّ منهما ذكر للإنسان بما يكره ذكرُه، وقد يشتبه الفرق بينهما عند كثير من الناس. والله الموفق للصواب.
اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره مُحَرَّم، إذا كان المقصود منه مجردَ الذم والعيبِ والنقصِ، فأمَّا إِن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين، أو خاصة لبعضهم، وكان المقصودُ منه تحصيلَ تلك المصلحةِ، فليس بمحرم، بل مندوب إِلَيْهِ.
وقد قرَّر علماء الحديث هذا في كتبهم في "الجرح والتعديل"، وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة، وردُّوا عَلَى من سوَّى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتَّسع علمه. ولا فرق بين الطعن في رواةِ ألفاظ الحديث والتمييز بين من تُقبل روايتُه منهم ومن لا تُقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّل شيئًا منها عَلَى غير تأويله، وتمسَّك بما لا يتمسَّك به؛ ليحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العُلَمَاء عَلَى جواز ذلك أيضاً.
ولهذا تجد كتبهم المصنَّفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير، وشرح الحديث، والفقه، واختلاف العُلَمَاء وغير ذلك ممتلئة من المناظرات، وردوا أقوال من تضعَّف أقواله من أئمة السلف والخلف، من الصحابة والتابعين