للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى الباء في الآية والحديث]

فأما قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢]، وقوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: ٢٤]، فقد اختلف العُلَمَاء في معنى ذلك عَلَى قولين:

أحدهما: أنَّ دخول الجنة (برحمته) (*)، ولكن انقسام المنازل بحسب الأعمال.

قَالَ ابن عيينة: كانوا يرون النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة بفضله واقتسام المنازل بالأعمال.

والثاني: أنَّ الباء المثبتة، في قوله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقوله {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}، باء السببية، وقد جعل الله العمل سببًا لدخول الجنة.

والباء المنفية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يَدخلَ أحدٌ الجنة بعمله"، باء المقابلة والمعاوضة، والتقديرُ لن يستحقَّ أحدُ دخول الجنة بعمل يعمله. فأزال بذلك توهم من يتوهم أنَّ الجنة ثمن الأعمال، وأنَّ صاحب العمل يستحق عَلَى الله دخول الجنة كما يستحق من دفع ثمن سلعة إِلَى صاحبها تسليم سلعته، فنفى بذلك هذا التوهم، وبيَّن أن العمل وإن كان سببًا لدخول الجنة، فإنما هو من فضل الله ورحمته.

فصار الدخول مضافًا إِلَى فضل الله ورحمته ومغفرته؛ لأنّه هو المتفضل بالسبب والمسيَّب المرتَّب عليه، ولم يبق الدخول مرتبًا عَلَى العمل نفسه.

في "الصحيح" (١) عن النبى -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يقول للجنة: أنتِ


(*) برحمة الله: "نسخة".
(١) أخرجه البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦).