للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقرر عيني من عبادتك" (١).

ومن كان همه طلب محبة الله أعطاه الله فوق ما يريده من الدُّنْيَا تبعًا.

قال بعض السَّلف: لما توفي داود عليه السلام أرسل الله إِلَى سليمان عليه السلام: ألك حاجة تسألني إياها؟

فَقَالَ سليمان: اسأل الله أن يجعل قلبي يحبه كما كان قلب أبي داود يحبه، وأن يجعل قلبي يخشاه كما كان قلب أبي داود يخشاه. فشكر الله له ذلك وأعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده.

ومحبة الله عَلَى درجتين:

إحداهما: واجبة، وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات، وكراهة ما يكرهه من المحرمات، فإن المحبة التامة تقتضي الموافقة، (لمن يحبه) (*) في محبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه خصوصًا فيما يحبه ويكرهه من المحب نفسه فلا تصح المحبة بدون فعل ما يحبه المحبوب من محبه، وكراهة ما يكرهه المحبوب من محبه.

وسُئل بعض العارفين عن المحبة، فَقَالَ: الموافقة في جميع الأحوال.

وأنشد:

ولو قلت لي مت مت سمعًا وطاعة ... وقلت لداعي الموت أهلاً ومرحبًا

وأنشد آخر منهم:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

ومتى أخلَّ العبد ببعض الواجبات، أو ارتكب بعض المحرمات فمحبته لربه


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٨/ ٢٨٢) عن الهيثم بن مالك الطائي مرسلاً.
(*) للمحبوب: "نسخة".